الحفاوة التى يقابل بها رئيس حزب الوفد «المعارض» الدكتور السيد البدوى فى الصحف القومية تثير الريبة أكثر من الإعجاب، فالرجل الذى وصل إلى الرئاسة بعد انتخابات نزيهة، والذى بدأ حياته العملية بشراء صيدلية بأدويتها فى باكوس بالإسكندرية بالتقسيط ولم يكن فى جيبه غير عشرة جنيهات، ويصف نفسه بأنه عصامى جدا، نجح فى رسم صورة جديدة للمعارض الذى تحلم الحكومة بوجوده، وتفرد له صحفها مساحات مترامية الأطراف، لكى يقول كلاما يوحى بأن الحياة الحزبية فى مصر فى أفضل حال، وبأن حكومة الحزب الحاكم تتعامل مع خصومها بأدب وذوق، فى الندوة التى أجريت له فى الأهرام السبت الماضى، وحاوره فيها 13 زميلا على رأسهم رئيس التحرير شخصيا، قال إنه رفض طلب مسؤولى المراسم فى السفارة الأمريكية استقبال مارجريت سكوبى على باب الحزب، وأصر على انتظارها فى قاعة الاجتماعات، حرصا على تأكيد الندية، وأنه أبلغها بأن المصريين عرفوا التجربة البرلمانية فى 1886 وليسوا فى حاجة إلى من يعلمهم الديمقراطية، وقال لهم أيضا إنه قال لمرشد الإخوان (الذى زاره للتهنئة بالشهادة الكبيرة) إن الإسلام لا يعرف فكرة الدولة الدينية أو الحزب الدينى، وإن السلطة فى الإسلام نصا وعقلا هى مدنية، واعتبر الأحزاب مقصّرة فى عملها وتعلق فشلها على شماعة قوانين الطوارئ والأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية، وكأن هذه القوانين بريئة، وقال أيضا إنه بدأ فى تشكيل لجان فى المحافظات أطلق عليها «وفد الخير»، يتبع فيها نهج «المحظورة» فى نشاطها الاجتماعى، وإنه سيتم حصر الأسر الفقيرة ويقدم لها الدعم المادى الثابت الذى سيوفره الحزب من زكاة أموال وعشور الأعضاء، وهذا كلام غريب، وما معنى العشور فى بلد سنى، وهل «شالت» الدولة يديها من الموضوع، وتركت رئيس الحزب الجديد والغنى ليحل مشاكل الفقراء، هل ستموله فى الخفاء لتضرب مشروعات الإخوان الصحية والتعليمية والاقتصادية التى ازدهرت بسبب تخلى الدولة عن وظيفتها تجاه محدودى الدخل، لأن وقتها يضيع فى منح المزايا لرجال أعمالها الذين يفكرون فى الانضمام لحزب السيد البدوى، لقد كنت متفائلا عندما نجح الرجل، وتابعت المقالات الكثيرة التى رحبت بالتجربة رغم شكى فى نوايا بعض كتابها الذين يريدون العمل فى فضائياته، وقلت فى عقل بالى »يطلع معارض حقيقى»، ولكن بعد متابعتى لما يقول اكتشفت أنه رجل طيب، لا يعرف الفرق بين السياسة والصيدلة، ويقول كلاما مجانيا، ويفترض أن جماهير الوفد كبيرة جدا وتنتظر الفرصة والقيادة الحكيمة لإعادة أمجاد ما قبل 1952، فجأة يقف أمام أمريكا بندية، وأنه مهتم بحل القضية الفلسطينية، ولا تخيل عليه شعارات الإخوان، وأنه حليف الفقراء، وأنه مع الوحدة الوطنية جدا، تماما كما يتحدث رموز الحزب الحاكم، لقد نجح النظام فى نفخ الرجل الذى جلس على مقعد النحاس باشا وفؤاد سراج الدين باشا، نفخوا فيه لكى يصدق أنه زعيم بحق وحقيق، وبالتالى سيكون مفيدا ترشحه لرئاسة جمهورية مصر العربية العام المقبل، ليصبح وصيفا (بعد التقسيمة).. للبطل الذى سيكمل المسيرة.