بالفعل تاهت القضية تماما وبهتت وتعقدت، ولم تعد تبدو لها بداية ولا نهاية، واضح أن الأزمة بين المحامين والنيابة دخلت نفقا طويلا، ويتوقع أن تستمر التوترات والملاسنات بلا فعل حقيقى، خاصة بعد قرار محكمة استئناف طنطا استمرار حبس المحامين لحين النطق بالحكم فى 5 سبتمبر القادم، المحامون اعتبروا القرار صادما لأنه يجعل المحاميين إيهاب ساعى الدين ومصطفى فتوح فى الحبس طوال هذه الفترة، وهو قرار يؤذى أكثر ما يؤذى أمهات المحامين وأهلهم، ويجعل النتيجة غامضة، وحتى الحديث عن الوساطات والمفاوضات بدا بلا طائل لأن وقت التدخلات كان يفترض أن يسبق انتقال الخلاف للقضاء. وإذا كان المحاميان أو وكيل النيابة أخطا فقد كان يمكن حصار الخلاف قبل اتساعه، لكن ماجرى أن كل طرف تصرف فى البداية على أنه الأقوى والأقدر على فرض رأيه ونسى الجميع المحاميين وسط الاهتمام باستعراض القوة، بينما كان يفترض أن يتخلى طرفا الخلاف عن العناد والجدل العقيم والبيانات والتصريحات، ويتركا للمحكمة أن تقوم بدورها كسلطة قضائية.
وعلى المحامين أن يدرسوا مواقفهم ويعيدوا تقييمها فالتجمهر لم يؤد إلى أية نتيجة لأنه لا يعقل أن يقف الآلاف أمام المحكمة بهدف التأثير، وكان يكفى حضور عدد من المحامين للتضامن والمرافعة وهو مالم يحدث.
ثم إن قرار الإضراب كان بداية من حيث يجب أن تكون النهاية، لكن القرار جاء متسرعا ولم يؤد إلى شىء بل إنه قسم المحامين واضاع مصالح بعض المتهمين والمتقاضين الذين تعطلت مصالحهم القانونية، ناهيك عن المواقف المتناقضة والمزايدات الانتخابية، التى صورت المحامين للمرة الأولى منقسمين بشكل واسع.
فلا يوجد اتفاق على الإضراب أو التصالح أو التفاوض، وكل فريق يتصرف بمفرده وفق مصالحه وتوازناته وأهدافه.
أما الطرف الآخر القضاة خارج المحاكم يفترض أن يسعوا إلى التهدئة، وأن يحاول الطرفان الاتفاق على قواعد للتعامل، هى بالفعل موجودة وتحكم بالقانون علاقات الطرفين، وللأسف فإن السياسة وليس القانون هى التى لعبت الدور الأكبر فى الخلاف، والرهان على أن يراجع كل طرف مواقفه وأن يكون القضاء هو الحكم.
لقد اتخذ الخلاف اتجاها آخر ودخل فى أنفاق ومنحنيات، وركب الجميع هواهم دون تفكير فى الخطوة التالية، لأن العقل غاب لحظات أو ساعات بينما كان يجب أن يحضر.