"قضت العشوائية على سَكينة "الوراق" وفضّت الخرسانة على براءة النيل، فانتقلت إلى ضاحية المعادى، وهناك أيضًا ضاقت المعادى بسكانها، ففررت هاربًا إلى "الرحاب".. إنه الشاعر أشرف عامر له سبع مجموعات شعرية، صدر منها ثلاث فى طبعات متعددة وهى: "شبابيك"، و"فاعلات ليلية"، و"هو تقريبًا.. متأكد". وصدر منها ديوانان فى نسخ محدودة جدًا وهما "فيما أرى" و"اكتشافات الفراشة"، وهناك ديوانان تحت الطبع، أحدهما بالعامية "حبة خردة"، والآخر بعنوان "كأنه يعيش". كما صدر لى مجموعتان شعريتان للأطفال وهما "اللون والخيال" و"نجارنا الفنان" وهناك مسرحية شعرية أكتبها الآن تدور أحداثها بالرحاب.
متى تحديداً بدأت تكتشف ميلك إلى كتابة الشعر؟
منذ المرحلة الابتدائية تقريبا كنت أكتب شعراً باللغة العامية أفرح به بينى وبين نفسى وأقرأ بعضه لأمى وأخوتى وزملاء المدرسة على خجل، إلى أن تعرفت على الشعراء محمد كشيك ومجدى نجيب وسيد حجاب ووالدنا جميعا، فؤاد حداد والشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى والعبقرى صلاح جاهين، وكان للشاعر أمل دنقل دور يفوق الجميع فى صياغة علاقتى بالشعر وبأهمية دوره ودور الشاعر فى الدفاع عن الوجود الإنسانى بكل ما تعنيه الكلمة من جمال وعدل وحب وحرية، وفى المرحلة الثانوية بدأت أنتمى إلى الشارع الثقافى والسياسى المصرى، فكنت على علاقة ببعض أستاذتى فى الجامعة، قبل أن أدخلها وفى مقدمتهم الدكتور عبد المنعم تليمة والدكتور جابر عصفور والراحل الكبير أستاذنا الدكتور عبد المحسن طه بدر.
هل هذه التجربة الثرية هى التى تدفعك الآن لإقامة صالون أدبى فى مدينة الرحاب؟
بالتأكيد، إنها الحالة التى أحلم الآن بإعادة جزء منها فى الرحاب، حيث أتمنى أن يكون هناك صالون أدبى وثقافى يصبح قادراً على جذب المهتمين بالأدب والثقافة والفن ممن يعيشون خارجها، فضلاً عن سكانها. صحيح أننى وآخرون قمنا خلال الفترة الماضية بإقامة عدد من الندوات والأمسيات الشعرية، إلاّ أنها لم تتسم بالاستمرارية، وهو ما أرجو التغلب عليه مستقبلاً، وسأبدأ ذلك بمشاركة مجموعة من الكتاب، بإقامة صالون ثقافى يعقد فى الفترة الأولى مرتين فى الشهر، إحداهما ببيتى والأخرى بمقهى "شبابيك"، على أن يعقد بعد ذلك أسبوعياً.
ألست معى أنك مقل فى إنتاجك الأدبى، فخلال أكثر من ثلاثين عاماً لم يصدر لك سوى ست مجموعات شعرية فقط بالإضافة لبعض الكتيبات الشعرية للأطفال؟
من حيث الكم وبالقياس إلى من يكتبون كتاباَ كل شهر لديك كل الحق، فأنا بالفعل مقل جداً، ولكن هل يقاس الأبداع بالمتر! هل يقاس الأبداع بعدد الكتب أم يقاس بالقيمة الحقيقية المضافة، سواء كانت هذه القيمة عبر كتاب واحد أو كانت عبر ألف كتاب! لو حسب الأمر بالمتر لذهب والت وايتمان إلى الجحيم ونزل صلاح جاهين وأمل دنقل من أعلى قمة هرم الإبداع الشعرى إلى درجاته المنخفضة، بالقياس إلى آخرين ملئوا الدنيا ضجيجا فارغاً! وما كان الراحل على قنديل استطاع أن يعيش بيننا رغم رحيله منذ أربعة عقود تقريباً، وأن يسجل اسمه فى ذاكرة الشعر بعدد قليل من القصائد.
هل تؤمن بالحرية المطلقة فى الأدب والإبداع؟
لا يوجد شىء مطلق فى هذه الحياة، وبالتالى لا توجد حرية مطلقة. نحن بشر تحكمنا النسبية، بل وأجمل ما فينا أن النسبية هى التى تحكمنا. وفى إطار النسبى، لاشك فى أننى، بل وكل أدباء العالم، نحلم بالحصول على أقصى درجة ممكنة من الحرية، ليس فى مجال الأدب والإبداع فقط، بل فى الحياة بشكل عام.
شاركت مؤخراً كعضو لجنة تحكيم فى مسابقة كتاب اليوم الأدبية التى تقيمها مؤسسة أخبار اليوم، بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، فهل هذه أول مشاركة لك؟
نعم هذه هى أول مشاركة لى كعضو لجنة تحكيم وهى المسابقة الثانية التى تنظمها مؤسسة أخبار اليوم، متمثلة فى سلسلة كتاب اليوم برئاسة الكاتبة نوال مصطفى، وبالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، وقد تم تشكيل لجنة تحكيم لشعر الفصحى مكونة من الشاعرين الصديقين أحمد الشهاوى وفارس خضر وكنت ثالثهما، حيث عرض علينا أكثر من 100 مجموعة شعرية، وقمنا باختيار 10 أعمال منهم 6 أعمال فائزة و4 أعمال تم فقط تكريم أصحابها، وكان الأصل أن يتم اختيار 3 أعمال فقط فائزة، لكننا فوجئنا بتقارب المستويات وأحقية عدد كبير بالفوز، فاقترحنا على الأستاذة نوال مصطفى أن نرفع عدد الفائزين إلى 6 بحيث يفوز بكل مركز عملان حتى نعطى مساحة أكبر للفرح والإبداع لشعراء أتوقع أن بعضهم سوف يكون له شأن كبير فى القادم القريب، خاصة أن الجائزة ممنوحة من مؤسسة إعلامية كبيرة، وهى مؤسسة أخبار اليوم، بالإضافة إلى قيام عدد كبير من الأدباء والفنانين والمثقفين والقائمين على شئون الثقافة فى مصر وبعض الوزراء بحضور الاحتفال، وهو أمر لا يخلو من الدعم النفسى لهؤلاء الشعراء الشبان الذى يتمتع بعضهم بنضج فنى مرتفع المستوى.
لقد قمت بكتابة الأغنية لعدد من المطربين المصريين والعرب، كان آخرها أغنية "دفا الأحزان" التى غناها الفنان على الحجار فى ألبومه الأخير"آدم وحوا"، فلماذا رغم نجاحك فى الكتابات الغنائية أنت أيضاً مقل؟!
أعترف أننى كسول، وأننى أفضل الحياة مبتعدا، وأفضل من الابتعاد العيش فى الصحراء، وأن هذا هو دافعى الأول للمجىء إلى الرحاب، أيام كانت وطناً بلا عظماء.
فليكن هذا هو السبب الأول، أما السبب الثانى فهو يخص ظروف الأغنية الآن، فهى تعتمد على أشياء كثيرة جداً، آخرها الشعر! أما على الحجار فهو فارس لا يقاوم لأنه مثل عدد قليل جداً فى مصر الآن، يأتى دائماً خارج السياق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة