لا أستطيع منع نفسى من الضحك كلما هاجمنى هذا الاحتفال الشرس من جانب قنوات التليفزيون والإذاعة التى تهيمن عليه السلطة الحاكمة، وأتذكر الجملة الشهيرة التى كان يقولها الناصريون وهى أن "الرئيس السادات مشى على خط عبد الناصر بالأستيكة"، وإذا مددنا الخط على استقامته، فهذا ما فعله الرئيس مبارك.
ربما يكون السبب وراء هذا الاحتفال هم الموظفون الذين يجدون فى هذه المناسبات فرصة لملء الوقت الممتد للبث، وربما هناك فى السلطة الحاكمة من يظن أن هذه "طنطنة البغباوات"، يمكن أن تمنحهم شرعية انتهى زمنها ولا أظن أنها يمكن أن تعود، فيبدو الأمر كما يقول المثل الشعبى الجميل "القرعة بتتباها بشعر بنت أختها".
والحقيقة إن "بنت أخت الحكومة قرعة". فلن يعود الاتحاد الاشتراكى، ولن تؤمم رجال الأعمال المصريين والأجانب، فالدنيا تغيرت، وهذا مربط الفرس. فمن المستحيل إعادة شكل الدولة التى بناها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، ولا يمكن إعادة سياستها الخارجية، فقد تغيرت الدنيا ولم يعد للاتحاد السوفييتى وجود، فلا يمكن اللعب على الصراع الذى كان بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، كما لا يمكن إعادة بناء تحالف قوى الشعب العاملة واستبعاد "أعداء الشعب" من الوجود السياسى. ولا يمكن إلغاء الصحف والإذاعات والمحطات التليفزيونية الخاصة. ولا يمكن العودة مرة أخرى إلى سياسة الحشد والتعبئة من خلال وسائل الصحافة، فالمواطن ذاته وعبر الإنترنت يستطيع تأسيس صحيفة وإذاعة وتليفزيون لو أراد ويبث من خلالها ما يشاء.
الخلاصة أنه من المستحيل إعادة الزمن للوراء، ومن المستحيل تكرار أى تجربة مهما كانت عظيمة، ولذلك فالذى يبقى ليس الشكل ولكن جوهر الأفكار النبيلة، وأظن أن أهمها على الإطلاق هو الانحياز للفقراء، وهذا من المستحيل تطبيقه من أعلى، ومن المستحيل نجاحه بدون حرية، وهذا هو الدرس الأعظم فى التجربة الناصرية، وهذا بالضبط هو مقتل الناصريين وحياتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة