دعونا نعترف أن هناك مشكلة أكبر من مجرد اختفاء زوجة، أو خلاف عائلى بين زوجين، فى أزمة زوجة الكاهن، وهى مشكلة يمكن أن تتكرر مع آخرين ويمكن لأى حادث صغير أن يكبر ويتسع ويشعل حريقا، وعندما كتبت بالأمس حول محنة العقل الطائفى كنت أنطلق من اتجاه واسع بمصر يرى أن كل قضايا الطائفية مرجعها غياب الشفافية، وكيف يمكن للبعض أن يلغى عقله، وينحاز إلى عواطف وشائعات.
والعقل الطائفى يوجد بين المسلمين والمسيحيين، ولا يتعلق بالإيمان، بقدر ما يشبه عقلية"ألتراس" كرة القدم الذين يعميهم التعصب لفريقهم عن رؤية أى شىء، ومازلت أظن أن المؤمنين الحقيقيين ليسوا طائفيين، لأن الإيمان يجعل المؤمن إنسانيا يتجاوز بإيمانه الحلقوم إلى الإحساس بالبشر.
وأعترف أن التعليقات التى كتبها قراء مختلفون بالرغم من أن بعضها عكست شعورا طائفيا، فإن أغلبها كان نقاشا عاما حول أزمة يشعر المصريون بها ويريدون حلها، وينطلقون من أن أغلب المشكلات اجتماعية وسياسية يتشارك فى أعراضها المصريون، لقد انتقدت مجموعات قبطية روجت معلومات على الإنترنت بأن جماعة إسلامية دفعت ملايين من أجل الحصول على زوجة هذا الكاهن، خاصة وأن الأمر اتضح كذبه، وهاجم كثيرون أجهزة الأمن التى تتحمل الكثير من الاتهامات بالرغم من كونها تبذل جهودا ضخمة لإطفاء حرائق صغيرة يمكن أن تتطور إلى كوارث، والحقيقة أن الأمن يتحمل كل مشكلات السياسة.
لقد كان العثور على زوجة الكاهن هدية من السماء لنا جميعا، ورحمة من الله أطاحت بأحلام من يريدون الاتجار فى الآلام، وكما أشار الأستاذ خالد الشيخ فإن ماجرى من تضخيم يرجع الى عدم الثقة فى البيانات الرسمية.
وبالغ الأستاذ غطاس ألفى فى الأمر وجدد الحديث عن حرمان الأقباط من كثير من حقوقهم، وبرر إحساس المسيحيين بالظلم من عدم بناء الكنائس وحرمانهم من الوظائف وغيره، وهو كلام يتناقض مع الواقع كما رد عليه نادر وعبد الله وعلاء الدين محمد عوض الملاح بمنطق حيث قال إن كل الأغلبية فى مصر تعانى و"معظم فئات المجتمع لها مشاكل مع الدولة لكن لا يعنى هذا أن كل الفئات مضطهدة، فالمعاقون لهم مطالب والمعلمون لهم مطالب والأطباء كذلك فهل كل هؤلاء مضطهدون، وحكاية المناصب صدقونى المسلمين وكمان المسيحيين مظلومين لأن المناصب محجوزة فى البلد لولاد الناس اللى فوق بس، أما عامة الشعب المصرى بمسلميه ومسيحييه يعانى، وله مشاكل كثيرة، ولذلك أدعو الله أن يخمد الفتنة لأنها نائمة ولعن الله من أيقظها"، والحقيقة أن هذا الكلام هو عين الواقع، لأن البطالة والتسلط والمرض والفقر لايفرقون بين مسلم ومسيحى، هناك من ضرب أمثلة بمسيحيين فى الصدارة مثل "لوقا بباوى والمستشار ميرهم ويوسف بطرس غالى وجورجيت قلينى والفريق عزيز غالى"، وكتب حميد المصرى إلى غطاس "من حقك أن تجزع على نصفك الآخر كأى فرد فى المجتمع ولو كان مسلما كان سيجزع مثلك".
ولكن ليس من حقك أن تتسرع فى اتهام غيرك بدون أى دليل ولا أن تنصب نفسك قاضيا.. دينك يحضك على التسامح بعد أن تعرف عدوك.. فما بالك تكيل الاتهامات للغير دون وجه حق ودون دليل".
والحقيقة إننى شعرت ببعض الأمل من تعليقات تتعامل مع الموضوع ولا تنطلق الى الشتائم والطائفية وعندما تحدث أحد المعلقين بكلام غير لائق تصدى له مصرى مسلم ليؤكد له أن الحديث عن النصارى وغيره أمر مرفوض.
وبعيدا عن التعليقات الطائفية والمتعصبة فإن الأغلبية لديها إحساس بمشكلة تحتاج الى حل، وأنه إذا كان لدى المسيحيين مشكلات، فإن أغلبها يتعلق بقضايا اجتماعية وسياسية بسبب غياب الشفافية والعدالة، وتكافؤ الفرص، وأن الحل فى دولة مدنية عادلة، مع تسييد الإيمان الحقيقى الذى يتعامل مع البشر وأن الله هو وحده الذى سيحاسب الجميع ويحكم على إيمانهم، أما الغل الطائفى فإنه لا يصنع سوى الفتنة.