لا نتمنى أبدا أى مكروه لكل عزيز بيننا، وتكاد قلوبنا تقفز من بين ضلوعنا خوفا على كل قيمة بشرية أعطت لنا إبداعا جميلا فى أى مجال، فهؤلاء لهم حق علينا بأن نحلم لهم بكل خير وندعو لهم بموفور الصحة، بعد أن أخذنا منهم حقا إبداعا ومواقف تنحاز إلى الحق والخير والجمال.
الكاتب والروائى المبدع الجميل جمال الغيطانى هو واحد من القمم المصرية والعربية التى زودتنا بالبهجة عبر إبداعه الروائى العظيم، ويطول الحديث والشرح عن تفرد عالمه الروائى الذى نسجه برؤية خاصة جدا به عبر قراءته لتاريخ مصر، وتمسكه بمواقفه السياسية التى أهلته إلى أن يكون فى طليعة مبدعينا الذين يذكرون القول ويتبعون أحسنه.
تعرض الغيطانى إلى تجربة الاعتقال فى ستينات القرن الماضى، لكنه لم يتاجر بهذه التجربة أبدا، كما فعل صغار اختصروا التجربة الناصرية فى محنة اعتقالهم وشنوا عليها حربا لا هوادة فيها، ولم يقتصر الغيطانى فى إبراز مواقفه الفكرى من خلال عالمه الروائى وفقط، كما فعل فى رائعته: "الزينى بركات"، و"التجليات" بأجزائها الأربعة التى جاء فيها من التاريخ بشخصية سيدنا الحسين رضى الله عنه، ومن حاضرنا القريب شخصية جمال عبد الناصر، لم يقتصر الغيطانى على ذلك، وإنما اختار أيضا أن يكون فى طليعة المدافعين عن قضايا التنوير، والتعددية الفكرية التى تساهم فى بناء النهضة الحقيقية التى نحلم بها، وأجمل ما رأيته فيه هو تحوله إلى مقاتل شرس ضد كل الذين حاولوا تشويه حرب الاستنزاف، تلك الحرب المنسية رغم كل ما قدمته من سجل ناصع فى الانتصارات، كانت هذه الحرب بالنسبة لها تجربة شخصية، بقدر ما كانت تجربة لوطن يبحث عن الانتصار بعد نكسة 5 يونيه 1967.
كان الغيطانى مراسلا حربيا أثناء هذه الحرب، ومن خلال ذلك رأى كيف يذهب الشهداء واحدا بعد الآخر، ورأى كيف تتكبد إسرائيل أفدح الخسائر على أيد هؤلاء الشهداء وكل أبطال الجبهة المصرية، وعاش لحظات استشهاد البطل العظيم الفريق عبد المنعم رياض الذى استشهد على خطوط الأمامية للجبهة مع العدو الإسرائيلى، ولأجل كل ذلك لم يقبل الغيطانى التعددية الفكرية فى تناول هذه الحرب، من زاوية الرأى بأنها لم تكن ضرورية وكبدتنا الخسائر أكثر من المكاسب، وذهب فى ذلك إلى القضاء ضد المؤرخ الراحل الدكتور عبد العظيم رمضان الذى كان يمثل وجهة النظر السلبية لهذه الحرب.
كتب الغيطانى عن رجال أبطال من حرب الاستنزاف كلاما يسكن القلب، لأن الكتابة كانت من وحى ما رآه، وبدون مبالغة هو يعد أحد مؤرخيها، وكم أتمنى أن يسجل شهادته كاملة فى مؤلف خاص بها.
لا أعرف الحدود التى ينتهى عندها الحديث عن جمال الغيطانى، فالكتابة عن مثله لا تقف عند حدود، وما أكتبه جزءا بسيطا، لكنى وبعد أزمته الصحية الأخيرة التى تعرض لها يوم الثلاثاء الماضى ضبطت نفسى على الدعاء له دعوات بحجم الكرة الأرضية أن يمنحه الله صحة وعافية وعمرا مديدا، لأننا لم نشبع منه بعد، ولن نشبع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة