فعلا أصبح تاريخنا معدوم الضمير، كما أصبحنا نحن متبلدى الإحساس، فليس على وجه البسيطة أمة تنسى ثأرها وتصافح من أهانها، وتقبل اليد الملطخة بدمائها سوى هذه الأمة، اليوم بالتمام والكمال مرت 4 أعوام على مذبحة قانا الثانية، وهى العملية التى أطلق عليها الإسرائيليون "عناقيد الغضب" ولو كان الكاتب جون شتاينبك يعلم أن اسم واحدة من أجمل رواياته الإنسانية سيتحول عنواناً لواحدة من أقذر المذابح فى تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على الشعوب العربية، ولا يصح هنا أن نسمه "صراعاً" لأن الأخير يحتاج لطرفين، بينما فى هذه الحالة هناك لاعب واحد هو إسرائيل، بينما نحن لم نرق حتى لمستوى المتفرجين.
بعد أربع سنوات ما زالت صور جثث الأطفال الطاهرة، وهى تنتشل من تحت الأنقاض، تمثل أكبر دليل على فشلنا وتخاذلنا وهواننا على الناس، 27 طفلاً ليس لهم ذنب سوى أنهم احتموا بأحد الملاجئ ليخرجوا منها قلتى غارقين فى دمائهم الزكية قالوا: اتركوا الأمر للسياسيين وها نحن قد فعلنا، فماذا فعلوا هم، أصبحت قضيتهم بين فريقين الأول يحاول إثبات خيانة حزب الله للقضية، وتبعية حماس لإيران؟، والثانى يسعى لتأكيد تواطؤ حكومة أبو مازن مع إسرائيل، واستسلام مصر والسعودية للهيمنة الأمريكية، أين القضية إذن لا أحد يعلم.. الآن فى فلسطين تقوم القوات الإسرائيلية بإزالة قرية فلسطينية كل يوم لتبنى بدلا منها مستوطنة، وفى لبنان ينشغل سعد الحريرى بالبحث عن قتلة والده، ويقاتل حسن نصر الله لإبعاد التهمة عن نفسه وحزبه، ألا يعلم سعد أن هذا الانشقاق هو الذى قتل ولده، ويضل نصر الله هو المستفيد الأول منه.
حقا نحن لدينا قضية ناجحة فى أيدى محامين فشلة، وإسرائيل لها الحق فى كل ما تفعل، كنا نجاهد قيماً للعودة لحدود 67، ثم أصبحنا نجاهد لاستكمال المفاوضات، ماذا أصبح همنا الآن، أن ندفع إسرائيل لمفاوضات مباشرة، وأن نرجوها أن تتوقف عن بناء المستوطنات، وأصبح كل هم السياسيين الفلسطينيين هو قل جملاً على غرار "نحن نثمن المواقف الأمريكية، ونقدر المساعى المصرية"، بينما يتمطى محلل أردنى ويلوح صارخا "الأمر ينذر بانفجار سياسى بالمنطقة إذا لم نتحول فورا لمفاوضات مباشرة بضمانات مكتوبة" سيدى الفاضل، إسرائيل لا تعرف ضمانات، إنها تعترف فقط بمنطق القوة لو كان عندك شىء غير الصراخ لاحترمتك واحترمتنا، فى ذات الوقت ينتشى الجانب اللبنانى من الزيارات الرئاسية التى تهل عليه يوماً بعد الآخر، ويفرح لذكره فى العناوين الرئيسية لنشرات الأخبار، هل يعتبرون هذا حراكاً، هذا دليل على الخيبة وقلة الحيلة.
هذا يا سيدى ما فعله السياسيون.. لم يأخذوا ثأراً أو يشفوا غليلاً أو يمنحوا أماً مات ابنها فى قانا أملاً فى الصبر، هكذا أضاعوا الأرض وعكروا دماء الشهداء، بل وحتى أفسدوا معنى السياسة، لوثوا سمعة التفاوض.. حقاً "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة