أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد الدسوقى رشدى

البكاء على مصر فى كوبنهاجن (2)

الإثنين، 05 يوليو 2010 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن لم تكن قد مررت بالأمس على مقالى فدعنى أخبرك أننى كنت أنقل فى سطوره تفاصيل تجربة انتخابية ديمقراطية عشتها فى دولة الدانمارك، وها أنا اليوم أستكمل باقى الحكاية التى ستصيبك بكل تأكيد بالضغط والسكر والقلق على المستقبل، وبالأمس حكيت تفاصيل اليوم الانتخابية من السابعة صباحا وحتى الواحدة ظهرا، وفى السطور القادمة تفاصيل فترة الظهيرة أو فترة الذروة الانتخابية كما يقول أهل السياسة.

الساعة دقت الواحدة ظهرا وانتقلنا من لجنة التصويت إلى البرلمان الدانماركى، الطرق مازالت كما هى، الأتوبيس هادئ، البرلمان تقريبا فى وسط البلد استعدوا للزحمة، واستعدوا لمشاهدة ضباط الشرطة، واستعدوا لمحاولة فاشلة لدخول البرلمان، كنا قد أرسلنا للبرلمان الدانماركى عبر الإنترنت رغبتنا فى زيارته يوم الانتخابات لمتابعة الأحداث الانتخابية وتحركات الأحزاب المختلفة، وجاءنا الرد بأن مرحبا بكم، ولكنى تشككت فى ذلك على اعتبار أننى لم أدخل برلمان بلادى ولا مرة وأعلم جيدا أن أى مندوب لأى جريدة مصرية يحتاج إلى شهور وشهور حتى يسمح له مجلسا الشعب والشورى بالدخول أو المرور بجانب السور، فما بالك بزيارة خاطفة لبرلمان ليس فى موطنى؟ من المؤكد أنه أمر صعب، ثقافتى المصرية أخبرتنى بذلك.

البرلمان ذلك المبنى التراثى الفخم،كل ما حوله هادئ وكأن انتخاباته ليست اليوم، ساحته خالية تماما إلا من ذلك التمثال الضخم لفارس من الفايكنج يمتطى حصانه الشرس، وبالقرب من مدخله يقف رجلان يرفعان أعلاما ملونة ولوحة مكتوبًا عليها أن هذه منطقة سلام، بالإضافة إلى لوحة أخرى مكتوب عليها ضد الحرب، قالوا لنا إنهما واقفان هكذا منذ الحرب الأمريكية على العراق كنوع من الاعتراض، فى هذا البرد ومع الثلج الذى يتساقط أحيانا يقف رجلان من الدانمارك يوميا منذ سنوات للاعتراض على احتلال أمريكا للعراق، بينما نحن فى مصر لا نتذكر أصلا أن فى بغداد جنودا أمريكان.

على باب البرلمان كان هناك شرطى دانماركى.. أخيرا ظهروا.. انتظرت إخوته من العساكر وفرق الكارتيه، ولكن لم يظهر سوى هذا الرجل فقط والذى لم يكن يحمل سلاح رشاش كالذى يحمله العسكرى الواقف بجوار سور مجلس الشعب فى شارع قصر العينى، لم نسأل كثيرا.. الكارنيهات الخاصة بدخول البرلمان كانت جاهزة، رجال الأحزاب مشغولون فى الانتخابات، بعضهم يتابع والبعض الآخر قالوا إنه ذهب ليرتاح لأن الأمر خلاص انتهى ولا يتبقى أمامه الآن سوى انتظار النتيجة.

فى البرلمان مركز صحفى مجهز تماما، لمتابعة الانتخابات، صحفيون من دول مختلفة يكتبون التقارير ويتابعون الأداء الانتخابى المريح ويرسلون لصحفهم، المعلومات متوافرة، اسأل تجد ما يسرك وما يفيد تقريرك، اقتربت الساعة من الثالثة وكان لابد من العودة إلى لجان التصويت مرة أخرى، خارج البرلمان كانت بعض الكاميرات بدأت فى الظهور وقالوا إنهم يستعدون للاحتفال الليلى الذى سيبدأ بعد انتهاء اليوم الانتخابى.. الشرطى الدانماركى اختفى.. اختفى تماما!

الرابعة عصرا:
هذه المرة سنذهب إلى مقر للتصويت يقع فى منقطة مزدحمة سكانيا ومتوسطة اقتصاديا، وهى مركز للعرب والمسلمين المقيمين فى الدانمارك..ستظهر الفوضى الآن وربما سنشهد معركة، ومن المؤكد أن رجال الشرطة سيطوقون هذا المكان، لأنهم يخافون من العرب والمسلمين.. لماذا تسيطر الثقافة الانتخابية المصرية على رأسى؟

الطريق إلى مقر التصويت كان هادئا أيضا، الدراجات أصبحت أكثر كثافة فى الشوارع، الدانماركيون بدءوا فى الخروج من العمل ومن لم يصوت صباحا يسرع ليلحق قبل الإغلاق.. ها هى الزحمة قادمة؟ كثافة ركاب الأتوبيس تؤكد ذلك.

أمام مقر التصويت كان هناك طابور ها هى الزحمة؟ سيظهر عسكرى الآن ليفض الاشتباك.. خاب ظنى ولم يظهر بل جاءت سيدة من المنظمين لتخبر المزدحمين بإمكانية الدخول من منطقة أخرى، فعادت الأمور لتسير بسلاسة مرة أخرى، المواطن الدانماركى لا يحب أن تسأله لأى مرشح أعطيت صوتك، يعتبر ذلك تدخلا فى شئونه الشخصية.

المسلمات المحجبات يحملن أطفالهن على أكتافهن ويدخلن للإدلاء بأصواتهن، ويخرجن والابتسامة على وجوههن، ربما لأنهن لم يمارسن تلك الفعلة بهذه السهولة والنزاهة فى بلادهن الأصلية إن كانوا قد عاشوا فيها أو استمعوا لحكاوى آبائهم.

صحفية دانماركية تقف على باب مقر التصويت وتسأل الناخبين وترسل الإجابات بشكل فورى على صحيفتها من أجل الاستطلاع الذى يجريه موقع جريدتها الإلكترونى، ومذيعة باسمة تتجول بكاميراتها بين الناخبين، وسيدات يعملن بالصليب الأحمر يحصلن على تبرعات الناخبين وأطفال تلعب وتجرى خلف بعضها وباقى على إغلاق لجان التصويت ساعة هذه الساعة فى مصر، إما تكون مقار التصويت خالية وتقوم الدولة بتقفيل الصناديق بنفسها، وإما تكون هناك معركة دموية بين مندوبى المرشحين على صوت طالع من هنا أو داخل من هناك، وإما أن تكون هناك معركة بين صحفى يريد أن يحصل على صورة لما يجرى بالداخل وعسكرى لا يعرف الألف من "كوز" الذرة يمنعه ويحطم كاميرته إذا أراد.. فى ذلك المقر المزدحم لم يظهر العسكرى أيضا.. هى سيارة الشرطة الدانماركية شكلها إيه؟

9 مساءً:
داخل جريدة "البولتيكن" وهى جريدة محسوبة على أحزاب اليسار، نتابع عملية الفرز والنتائج التى تتغير بنجاح لليمين وخسارة لليسار أو العكس مع كل ألف صوت يتم فرزها أو مع ظهور نتيجة بلدية جديدة، مذيع قناة الأخبار يخبر المشاهدين أنه فشل فى العثور على ناصر خضر رئيس الحزب الجديد وأعضائه ويرفع هاتفه المحمول ليقول لناصر خضر: "إن كنت تسمعنى فلقد أرسلت لك رسالة الآن لأعرف أين أنت؟". صحفيو "البلوتيكن" قالوا إن ناصر مع أعضاء حزبه فى عافيه يحصلون على قدر من الراحة بسبب تعب الحملة الانتخابية ويحتفلون بشكل خاص، على شاشة التليفزيون الدانماركى يشرح لنا صحفى"البولتيكن" مسئول الطبعة الثانية أن هذا هو زعيم الحزب الاشتراكى فى طريقه إلى مقر حزبه يستقبله شبيبة الحزب بالهتافات والبالونات من أجل الاحتفال، وبعد ساعات من الفرز هذه زعيم حزب يسارى آخر خسرت مقاعد فى البرلمان تحتفل وسط أنصارها فى مقرها الحزبى، وتعلن أسفها على تلك الخسارة وتخبرهم بأنهم سيقودون الحكومة فى الانتخابات القادمة، هذه لقطات أخرى من ساحة البرلمان ومن مقار الأحزاب الأم ومقار أحزاب الشبيبة أو منظمات الشباب لأعضاء الحزب يرقصون ويغنون سواء كانوا من الخاسرين أو الفائزين.. فى مصر عادة ما يكون هذا هو وقت الشتائم والكذب أيضا، الحزب الوطنى يؤكد فى تصريح مكرر أن الانتخابات التى انتهت كانت أنزه وأشرف انتخابات عرفتها مصر وصحف الحكومة تتغاضى عن معارك الدم والبلطجية الذين اقتحموا اللجان وتنشر صورا هادئة لا يعرف أحد من أين أتو بها، بينما الصحف العالمية تؤكد على تزوير لم تعرف له انتخابات فى العالم مثيلا.

فى الصباح كانت النتائج النهائية قد استقرت، الناخب قال كلمته وأبقى على الائتلاف اليمينى الذى حقق له طفرة اقتصادية فى السنوات الماضية وبعض أحزاب اليسار حققت نجاحات فاقت الأعوام الماضية والمفاوضات لتشكيل الحكومة بدأت وسيشارك فيها هذه المرة حزب جديد بقيادة الفلسطينى الأصل السورى المولد ناصر خضر بعدما فاز حزبه بخمسة مقاعد فى البرلمان، ودخلت أول مسلمة للبرلمان الدانماركى اسمها "أشلام سارة" وهى من أصل تركى ومعها مسلمون آخرون من أصول مختلفة وسقطت المرشحة المحجبة أسماء عبد الحميد، لأنها لم تقد معركتها الإعلامية باقتدار، ولكنها لم تخسر لأنها محجبة كما يحاول المسلمون المتشددون هناك أن يعلقوا الخسارة على شماعة الحجاب.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة