"عايزين ندفع الثمن ولا لأ؟ هو ده السؤال، لازم ندفع الثمن طبعاً علشان يحصل تغيير لازم نناضل بكل ما فى وسعنا، شوفوا أوروبا اتغيرت إزاى، كان فيه نضال جماعى ومفيش حاجة بتتغير لوحدها، الناس لازم تجرب كل أشكال النضال من أجل الحرية".
كلمات ألقى بها المفكر الراحل نصر أبو زيد وجعلها دستوراً لحياته، اختار أن يدفع الثمن الغالى لما يؤمن به من أفكار، يعلم ويعلم الجاحدون من حوله أنها تطعن فى الأساس الذى يمكن المفسدين والقامعين والمستبدين والمتحجرين من أن يظلوا فى مواقعهم مفسدين حياتنا ومستقبلنا ومشوهين أى حلم بالتغيير والإصلاح.
ما كان يهدف نصر أبو زيد إلى تغييره أساساً هو فضح الزاوج الحرام بين السلطة السياسية والنخبة من رجال الدين ورجال الجامعة والمثقفين الموظفين، لاستمرار الأوضاع المهينة التى تصادر حريات الناس وحقوقهم وفرصهم فى التقدم.
كان أبو زيد يعلم أن رجال الدين المتاجرين بقناعاتهم يستطيعون إخضاع أغلبية البسطاء والجماهير بسهولة وقوة أكبر من أى عدد من عساكر الأمن المركزى، وكان يعلم كذلك أن المثقف الخائن لمبدأ الحرية والمسوغ لشعارات الاستبداد والمجمّل لسيناريوهات احتواء العقول والأذواق والأرواح، هو شريك فى تراجع هذا البلد، ومن ثم كان عمله موجهاً بالأساس إلى فضح تواطؤ رجال الدين والمثقفين مع أنظمة الحكم الاستبدادية فى البلاد العربية.
واشتم مسئولو أنظمة الحكم الاستبدادية والمتواطئين من نخبة رجال الدين ورجال الجامعة وموظفى وزارة الثقافة الكبار، رسالة نصر أبو زيد واستشعروا خطرها عليهم وعلى مصالحهم جيدا، وبدأت حملة الاغتيال المعنوى والمطاردة والتطفيش من الجامعة ومن البلد كلها.
والحق أن كثيراً من المثقفين الأفراد قاوموا مع نصر أبو زيد هجوم المتطرفين والمنتفعين، لكن الحاكمين رأوا أن طرده سوف يفض الاشتباك ويبقى على الزواج الحرام بين السلطة السياسية والنخبة لإحكام السيطرة على عقول الناس وإراداتهم، ليظلوا كما لو كانوا دواجن فى مزرعة كبيرة مفتوحة.
بعد طرد نصر أبو زيد، انكسر المثقفون الذين دافعوا عن الحق فى التفكير، وارتضوا باغتراب أبو زيد، وتدريجياً تناسوا الهدف الذى سعى إليه من ضرورة تبنى جميع المثقفين الدعوة لاستعادة الحرية المفقودة للناس، ونزع أى غمامة على عيونهم أو عقولهم، سواء وضعها رجال الدين بالأفكار الرجعية أو رجال التعليم بالأفكار الرديئة التى تكرس التلقين بدلا من التفكير، أو رجال الثقافة الذين يسوغون الاستبداد والتحكم ومنطق الاستيعاب فى الحظيرة.
الأمل أن يحقق نصر أبو زيد برحيله ما لم يحقق فى حياته من دفع المثقفين والمبدعين للاندماج مع الناس والتعبير عن قضاياهم، وتنوير الطريق أمامهم ليكونوا أحراراً أصحاب إرادة يستطيعون اختيار حاضرهم وصنع مستقبلهم، لكن ذلك يحتاج إلى أن يمتلك المثقفون والمبدعون الإرادة والحرية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة