فى أعقاب الكشف عن استيراد شركات مصرية خاصة قمحا أوكرانيا فاسدا، وذلك منذ نحو ما يقرب من عامين، كتبت: «ازرعوا قمحاً تدخلوا الجنة»، تحدثت فيه عن أن الأزمة الحقيقة فى القمح الفاسد هى إهمال زراعتنا فى مصر للقمح بالدرجة التى وصلنا فيها إلى وضع رقبتنا تحت مقصلة الدول المنتجة له، وهذا بالضبط ما يحدث الآن بعد إلغاء روسيا عقودها الخارجية فى تصدير السلع الغذائية وفى مقدمتها القمح.
القرار الروسى الذى تم على قاعدة أن الحكومة الروسية لها الحق فى اتخاذ القرارات التى تؤمن احتياجات مواطنيها، ندفع نحن فى مصر ثمنا فادحا له دون أن يكون هناك خطأ من الحكومة الروسية، والثمن الذى ندفعه يتمثل فى تكليف الموازنة المصرية من 5 إلى 7 مليارات جنيه، فحجم التعاقدات المصرية مع روسيا يصل إلى 500 ألف طن طبقا لتصريحات على شرف الدين، رئيس غرفة الحبوب، وأن القمح الروسى يتميز برخص سعره مقارنة بنظيره الفرنسى والأمريكى، حيث يبلغ سعر الطن الروسى 125 جنيها مصريا (أقل من 250 دولارا) فى حين يبلغ سعر الفرنسى والأمريكى 2250 جنيها (أقل من 430 دولارا).
وبعيدا عن حسابات فروق السعر بين الروسى والفرنسى والأمريكى، كشف القرار الروسى خيبة وفشل السياسة المصرية فى الزراعة، خاصة فيما يتعلق بالمحاصيل الإستراتيجية مثل القمح، فبينما مضت الدول التى لها مثل ظروف مصر فى تدعيم سياستها الزراعية حتى تصل إلى أعلى سقف لها فى إنتاج القمح، تخلفت مصر عن هذا الركب، واتبعت أسوأ سياسة زراعية لها، والتى قامت على ترك الفلاح المصرى فريسة للمعاناة الاقتصادية وارتفاع تكاليف مستلزمات الزراعة مما دفعه إلى البحث عن زراعة محاصيل تعود عليه بالربح السريع، ولأن زراعة محاصيل مثل القمح والقطن تكلفه مالاً ووقتاً دون أى دعم حكومى، بل يفاجأ الفلاح بتسعير من الحكومة غير مناسب لشراء تلك المحاصيل، وأدى كل ذلك إلى تقلص المساحات المنزرعة من القمح والذرة، واختفاء القطن تقريبا بعد أن كنا سادة العالم فى إنتاج الطويل التيلة منه، وظل هذا فخر الفلاح المصرى لسنوات طويلة، تمنحه فيها الدولة مزيداً من التشجيع والحوافز.
ومع مرور الوقت بدأت المأساة فى الانكشاف، ونظرة واحدة إلى المبلغ الذى تخسره مصر من قرار الحكومة الروسية، والمقدر بـ5 إلى 7 مليارات جنيه، تطرح سؤالاً، ماذا لو دفعت الحكومة هذا المبلغ لتدعيم الفلاح بدلاً من دفعه فى الاستيراد؟. لوفعلت الحكومة ذلك لأخذت من الفلاح الكثير والكثير، لكنها الحكومة وسياستها التى أدمنت الاستيراد ودفع المليارات فيه، أما قصة تشجيع الفلاح لزراعة القمح فأصبحت فى خبر كان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة