وإذا نجا المشاهد المسكين من مسلسل طائش أو مشهد مكرر ومكور، ربما لا يستطيع النجاة من برامج "التوك توك"، التى تزدحم بالكلام والحديث نفس الأسئلة، ونفس الضيوف ونفس الكلام، لا يمكن التفرقة بين المذيع والإعلامى والفنان وأبو رجل مسلوخة.. باستثناءات قليلة.. وينقلب المذيع ضيفاً والضيف مذيعاً. الضيف فى الصباح مستضيف فى الليل، فى عملية إغراق تشبه عمليات القوات الخاصة خلف خطوط العدو.
والعدو هنا هو المشاهد الذى أوقعه حظه الملون فى طريق كاسحات الكلام التى يكاد التلفزيون ينفجر من ضغطها.
ويسقط الحائط أو الحاجز بين الضيف والمحاور.. يسقط فوق المشاهد، وطالما كان السائل أهبل فالمجيب أقل أو أكثر هبلا، والأسئلة من نفس المعين، من الصحف الخضراء بحثاً عن المثير والساخن والمسلوق. والهدف هو ملء فراغات الوقت لتحشير أكبر عدد من الإعلانات دون أى تفكير فى احترام هذا الكائن المدعو "مشاهد".
الفضائح باسم السخونة، والبحث عن كل ماهو مثير، حتى لو كان كذباً أو شائعات، والهدف طبعاً هو التسلية، لكن الحقيقة أن المشاهد لا يتسلى لكن يصاب بحالة من البله التلفزيونى تمنعه من الحركة أو الفلفصة.
التلفزيون أصبح سوقاً واسعاً يحوى نفس البضاعة بأشكال مختلفة ومتنوعة، فالأحاديث والبرامج الحوارية عبارة عن برنامج واحد، وانقسم عشرات البرامج بنظام الاستنساخ، فإذا خرجت من برنامج أو فاتك منه شىء يمكن أن تكمله بسهولة فى البرنامج التالى الذى تعرضه قناة أخرى، فالأسئلة واحد والضيوف هم أنفسهم والموضوعات وطريقة الأداء والديكور أحيانا.
فى قناة الناس والتيوس، أو قناة الحقن واللبوس، سوف تجد نفسك أمام نفس أسئلة وأجوبة العام الماضى ومذيعين ومذيعات يفترض أنهم وأنهن جريئون وجريئات، يتمطع الواحد منهم يقف ليغمض عين ويفتح الأخرى، ويجز على أسنانه فشر محمود مرسى ليسأله لكن ما رأيك فى أنك هكذا؟ وينبهت الضيف ويفلفص ويرسم صورة المنصدم ليقول: بل أنا لست هكذا أنا عندما. وتنزل الموسيقى كما ماء التكييف فى الشارع، دبدبات نمل وخبط حلل، وصاجات وزجاج يتكسر، من كونى إلى رونى.
عدوى انتقلت كما فيروس الأنفلونزا إلى القنوات المحلية التى ازدحمت بالبرامج "الحمارية" التى يتساءل فيه المقدم ببلاهة منبهرة، ويجيب فيها الضيف ببلاهة مندهشة.
والمشاهد طبعا هو آخر من يعلم.. فإذا انتقل من قناة رعب حوارى إلى أخرى سوف يطارده أبورجل مسلوخة ليطل عليه ويسومه سوء العذاب، فإذا المسكين مبلولا بين شقى رحى، وبين بلاهة مصفاة، تمنحه الرغبة فى الهرب، ربما ينجو من برامج "التوك توك" ومسلسلات الهوك هوك، قاعدة طبعا ولها استثناءات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة