نعم هو زحام وحصار من المسلسلات والبرامج التى أغرقت المشاهد وجعلت نهاره ليلا وليله نهارا. ما يقارب المائتى مسلسل أكثرها غث منقول وأقلها جيد، ومثلها برامج تتشابه وتكاد تتطابق. والهدف الأول هو الربح والإعلانات، وتأتى التسلية فى الدرجة التالية، أما الفائدة فهى أمر غير مطروح. والذين أنفقوا مئات الملايين يريدون استعادتها مضاعفة. من جيب المشاهد طبعا فهو الذى يشترى السلع وهو المستهدف. ولاتفكر شركات الإعلان أو المنتجين فى تقديم فائدة لهذا المشاهد الذى تتخذه هدفا لإطلاق الإعلانات، والدراما والبرامج فيما تبقى من الوقت. وكل إعلانات وأنتم بخير. ولسان حالهم أن يدعو للصائمين بصوم مقبول وإفطار شهى ولأنفسهم بإعلانات غزيرة.
حسبة واضحة يصعب أن يطالب البعض فيها بفوائد وحتى القنوات الدينية تلعب نفس الدور، فتقدم برامجها من أجل الربح والإعلانات والاتجار فى رنات وتسجيلات. كل شىء لدى المنتجين سلعة مهما كانت قيمته أو حتى قداسته، فلا قداسة لشىء فى عالم البيزنس.
ولهذا فإن انتقاد تفاهة البرامج وأغلب المسلسلات لا يشغل بال شركات الإعلان، أو المنتج الذى يريد أن يضمن استعادة أمواله، وهو مستعد لدفع ملايين لنجم أو للإنفاق على برامج يعلم أنها بلا قيمة فنية لكنه يعلم أنها تشغل الوقت بين الإعلانات.
مئات الملايين على أعمال درامية تبدو فى كثير من الأحيان متشابهة ومتقاربة وبعضها خال من أى مضمون درامى أو مسلسلاتى. تأملوا عمل كله مجرد لهاث لرجال خلف أنثى بدون تبرير درامى، حشد من المواقف والإفيهات والقفشات لإطالة زمن العمل ومنحه المزيد من الوقت للفرجة.أو تقديم الفكاهة بطريقة فجة والخلط بين الدراما والبلوج . عشرات الأعمال التى تبدو مكررة أو خالية من الدراما والمهم أن تملأ الفراغ الزمنى بين الإعلانات.
وقناة مثل القاهرة والناس تستورد مقدمى برامج كل مهمتهم هو إعادة الأسئلة الفضائحية وتكرار ما هو مكرر عشرات المرات، وافتقد طارق نور كصانع إعلانات ومحترف دعاية إلى أى رغبة فى التجديد، المهم الاستفزاز الذى يشد والسطحية ذات الأصوات، وحزمة من مذيعين ومذيعات منتهى الصلاحية وفاقدين للقدرة على التجديد أو الإدهاش. لكنهم بمفهوم الإعلانات والمال ناجحون لا يهم غير ذلك.
والحقيقة أن طارق نور وقناته ليسا استثناء، بل الكل يفعل ذلك بما فيه التلفزيون المصرى الرائد الذى يتسابق فى تقديم أعمال وبرامج حوارية أو "حمارية"، مكررة وسطحية، ويتسابق الإعلاميون على تقديم فقرات أو برامج أو "نمر"، يبدون فيها كالأراجوزات ، لا يهم طالما يحصلون على الثمن. لا فرق بين برنامج دينى أو حوارى أو "توكشوهى".
ولهذا جاء الكثير سيئا والقليل جيد، ولا مانع من أن يبحث المنتج عن استعادة أمواله والحصول على ربح لكن مع بعض الفائدة وهى حسبة ممكنة. ورغم شيوع السطحية، فإن أى عمل جيد يجذب الأنظار، مثلما فعل مسلسل شيخ العرب همام. لأنه قدم موضوعا تاريخيا بشكل درامى جذاب. وهذه قصة أخرى.