إذا كنت إخوانيا أو مثل كثير من المصريين الذين يتعاطفون مع الإخوان، فعليك أن تنتظر معى حتى النهاية لتختلف مع وجهة نظرى أو تتفق معها، ولا يغرنك هذا العنوان الصادم فهو للاستهلاك المحلى فقط.. أنت توقعت بالتأكيد أننى سأتحدث عن مسلسل "الجماعة"، ليس من وجهة النظر الفنية، فأحدثك عن الحيرة التى تملكتنى عندما شاهدت بضع حلقات منه كنت على وشك فى البداية أن أجزم أن وحيد حامد كتب هذا المسلسل فى إحدى الأمانات الفرعية للحزب الوطنى، ولكن حيرتى غلبت شكوكى، فوقفت ذاهلا أمام إياد نصار وهو يبرع فى الدور ويذوب فيه لتظن فى أوقات كثيرة أنه حسن البنا بشحمه ولحمه.
كما أن الإسماعيلية التى أعرفها وأحبها خلقت من جديد فى هذا العمل، الذى حوى مشاهد أراها لأول مرة وأنا الذى نمت فى جناين إسماعيلية حتى ترك حصاها آثارا فى جسدى.
حيرتى هنا منبعها ذلك التساؤل الكبير حول إذا كان صناع المسلسل يريدون التحامل على الإخوان وترسيخ وجهة النظر الحكومية بأنهم مجموعة من الحيات السياسية تتخفى فى رداء الدين، أو أنهم حفنة حاخامات يرتدون ثياب السياسة حتى يصلوا بنا إلى الدولة الدينية، إذا كان هذا صحيحا فلماذا خرج العمل بهذا الشكل المؤثر الذى أظهر حسن البنا بأنه شخص مستقيم، وإخوانه مجموعة من الورعين المطيعين له، فيما هو يعاملهم معاملة الأب الحانى ويناديهم "يا إخوان"، تقوم السفارة البريطانية بدور العدو الذى يتربص بالجماعة الوليدة وتنتظر انهيارها.
وتعود حيرتى مرة أخرى، حينما أرى تلميحات تظهر البنا كرجل نفعى لديه شهوة التملك، ويحب الرياسة، هذا بخلاف أن أتباعه وإخوانه يطيعونه كالقطيع الذى يردد السمع والطاعة فى كل حين دون وعى.
لا أخفى عليك أن حيرتى تلك ليست بالجديدة، فقد كنا قديما نقرأ كتيبات صغيرة تسمى المأثورات للإمام الشهيد حسن البنا، دون أن نعرفه، وبمرور الوقت عرفنا البنا والجماعة وشباب الإخوان والتنظيم السرى والإصلاحيين والقطبيين، لكننى أنا وجيلى للأسف لم نبلغ فى معرفتنا للإخوان المسلمين حد الحقيقة، فنحن منقسمون بين كتب وصحف تذكر الإخوان بكل شر وكأنهم شياطين الإنس، وبين من يروجون للجماعة وكأنها ملائكة لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم.
نحن تعرضنا لتشويه فكرى حول الجماعة، وبالتالى تشوهت عواطفنا نحوها، حتى فى هذا المسلسل، كلما انفعلت مع شخصية حسن البنا والهالة المحيطة بها، تجد الرجل فى أكثر من مشهد يقترب من التشبه بمنزلة الأنبياء والصالحين، حتى إنه فى أحد المشاهد يضرب مثلا عما يعانيه مرددا آية من القرآن الكريم تقول: "وكذلك جعلنا لكل نبى عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيرا" (الفرقان31 ) وكررها أكثر من مرة، كما أن أحد الشيوخ ممن ساندوه طالبه فى مشهد آخر بأن يطلق على المقربين له ألقاب مثل أبا بكر وعمر وعلى وعثمان، ولا أدرى إن كان هذا مقصودا أم لا، ولكن إن صح هذا النقل عن حسن البنا، فهذا ليس رجل دعوة إنما هو صاحب مصلحة، وراغب فى السلطة، وإن لم يصح ذلك عنه، فهى محاولة أخرى للتشويه، كعادة من يحاولون أن يصوروا الرجل على أنه شيطان رجيم يبحث عن الحكم، مستغلا سطوته على أتباعه، فلن نصدفها لأننا وبساطة نعرف أن التاريخ يحمل الكثير من الكذب ومن الحكمة ألا نعتمد عليه كثيرا.
ولكل ما سبق لم أعد أستطيع أنا ومن مثلى أن نحكم على الصالح والطالح من الجماعة، ولم نعد نعرف الوطنى من الخائن، ومن يريدها دينية، أو يفضلها مدنية، نحن ضحية صراع سياسى دام لسنوات وخلف الكثير من الغبار على وجه الجماعة، لكن الحقيقة الوحيدة التى نمتلكها هى أن قيام الجماعة على هدف الدعوة الخالصة لوجه الله هو أمر يحسب لها، بغض النظر عما إذا كان حسن البنا نبيا أم شيطانا.