ماتت "هند الفاسى" كما يموت كل خلق الله، غير أن توابع موتها سوف تشغل الإعلام وأجهزة الأمن العربية والعالمية فترة طويلة، وفى قصيدة غزلية أطلق عليها الشاعر العاشق "أميرة الحسن" بعد أن ملأت حياته بالفتنة:
"أميرة الحسن هل لى بعد سانحة/ كى أستريح وأفضى بالذى حجبا
يا من ملأت حياتى فتنة وصبا/ فكيف أرجعت ماضى الذى ذهبا"
ثم راح الشاعر الولهان يبثها لواعجه:
"يا هند.. يا هند ما عينى على ثمر/ هاتى الظلال وخلى للسوى رطبا
ماضى أكبره تيها وعاطفة/ حبى أقدسه بعدا ومقتربا
مسافة الشوق من فاس إلى حلب/ كأنها فى ضلوعى جددت حلبا
أيقظت بى طرقا للحسن غافية/ كالريح إن عانقت فى غابة لهبا
دعى الملامة، عندى فيض عاطفة/ لو مسها الشوق راحت تزحم السحبا
وإن صبوت إلى ما رحت أعشقه/ أسعى إليه بقلب يعبد النصبا
سيف الشام أنا لا أنحنى تعبا/ إلا لعينين أنسى فيهما التعبا
يلاحق الشمس بالسقيا ليمنحها/ سر البقاء, فنهر العزم ما كذبا
وعين هند، على شطيه راعية/ عبر الرمال خيالا ضاويا تعبا".
وقد نشرت القصيدة فى مجلة "الكواكب" المصرية بتوقيع العماد "مصطفى طلاس" وزير الدفاع السورى، وفيما يبدو أن القصيدة قد تم نشرها كإعلان مدفوع الأجر حيث مهدت المجلة القارئ ببضعة أسطر وصفت فيها هند الفاسى بأنها "صاحبة السمو الأميرة هند كريمة الزعيم الصوفى الدكتور شمس الدين عبد الله الفاسى وقرينة أمير العطاء صاحب السمو الملكى".
وقد أكد "مصطفى طلاس" بعد ذلك أنه كان قد أهدى هذه القصيدة للأميرة هند بمناسبة عيد ميلادها كنوع من المجاملة وقد فوجئ هو نفسه بنشر القصيدة.
فى أوائل الثمانينات من القرن الماضى حضرت واحدا من أعياد ميلاد "هند الفاسى" بدعوة شخصية من شقيقها الشيخ "علال الفاسى" الذى كانت تربطنى به صداقة بعد أن قامت النجمة الشهيرة "شيريهان" بتعريفنا ببعضنا، فقد كنت ومازلت واحدا من الأصدقاء المقربين للنجمة "شريهان" أمد الله فى عمرها ومتعها بالصحة والعافية منذ أن كنا نجهز لتصوير المسلسل الرمضانى الشهير "ألف ليلة وليلة" التى كانت من تأليفى وبطولة "شيريهان" التى كانت قد تزوجت من الشيخ "علال الفاسى" شقيق "هند" و"علال" شخص معتد جدا بكبريائه ويتمتع بقدر كبير من العناد والصلابة بالرغم مما يبدو عليه من رقة ومما يحيط به من الثراء، فى ليلة عيد ميلاد "هند" التى حضرتها تحدثت معى عن "ألف ليلة وليلة" التى نجهز لتصويرها وسألتنى فى مرح: هل تشبه ليلة عيد ميلادها هذه أى ليلة من ليالى ألف ليلة وليلة؟ فأجبتها فى مرح بأن درجة الثراء فى ألف ليلة وليلة كانت أقل كثيرا من الثراء الواضح فى هذه الليلة، فضحكت "هند" فى رقة وتحدثت كثيرا عن "الثراء العربى الأعرج" فالثراء الحقيقى فى المطلق- من وجهة نظر هند- لابد له من قدمين يقف عليهما، قدما من المال وقدما من المبادئ، والثراء العربى مقطوعة قدم المبادئ منه، ولم أعرف ليلتها أنها كانت تقصد أن يسمعها بعض أصدقائها من الأثرياء من العرب والمصريين الذين كانوا يجلسون حولها وهم يستمعون لحديثها.
كان للأميرة "هند" عدد كبير من الحراس معظمهم من الأوربيين ولم يتورع أحدهم عن الاتجار بعلاقاتها الخاصة وحياتها الشخصية، فقد أذاع الحارس الشخصى لهند "Mike Antinick" كثيرا من الأسرار الشخصية جدا عنها التى تشكل اتهامات مختلفة لها، أما الحارس "تيم أوليفر Tim Oliver" الذى كان مكلفا باستقبال ضيوفها فأذاع أسرارا أكثر بشاعة من سابقه، وكذلك كان منهج الحارس الكندى "ستيف ديفيد Steve David" أما الحارس "مارك Marc Lemieux" فقد قال لصحيفة كندية إن هناك من دفع له مبلغ 15 ألف دولار لزرع أجهزة تنصت وتصوير سرية لاستخدامها لتسجيل كل حياتها الخاصة لاستثمارها وجنى الثروات من ورائها.
ماتت "هند الفاسى" واحدة من أميرات الثروة العرجاء حيث كانت هذه الثروة العرجاء سببا رئيسيا فى أن يتاجر بها الجميع فى حياتها وسوف يستمر الاتجار بها بعد موتها وربما بطريقة أشد وأقوى من حياتها.
* كاتب وروائى مصرى