كل هذا الصخب وكل هذا الجدل الدائر حول مسلسل "الجماعة" لمصلحة من؟..
أعرف أن هذا السؤال الذى ولد مع ظهور سيناريو مسلسل "الجماعة" الذى كتبه وحيد حامد إلى النور أصبح هو الأشهر الآن، ولا أعتقد أن سؤالاً آخر يشغل بال العقل السياسى المصرى أو حتى عقل المواطن الحريص على متابعة الأمور أكثر من هذا السؤال، راجع الصحف فى شهورها الأخير وركز مع برامج التوك شو، وتابع المعارك الدائرة على المنتديات والمواقع الإلكترونية وعلى رأسها "الفيس بوك" طبعا، وستعرف أنه لا شىء يعلو فوق صوت أى نقاش دائر حول مسلسل "الجماعة"، وخلف كل نقاش ونقاش ستجد السؤال الرئيسى "لمصلحة من عرض المسلسل الآن بتلك الصورة؟" حاضرا بقوة، ولكى تحصل على إجابة لهذا السؤال ستجد أمامك فرصة للاختيار من بين ثلاث إجابات شارك فى طرحها صناع المسلسل وجماعة الإخوان وأهل النخبة والمتابعين من ذوى الاهتمامات المختلفة.
صناع المسلسل وكاتبه يلجأون إلى نفى مصطلح المصلحة من المسألة كلها، ويؤكدون على أن المسلسل هو عمل درامى لا غرض له ولا مصلحة، وما يراه الإخوان تحاملا سيبقى فى النهاية وجهة نظر درامية للكاتب وحيد حامد، وعلى مقربة من تلك الإجابة ستجد قطاعاً آخر من أهل النخبة والثقافة وأهل الحكومة والسلطة يؤكد على أن غضب الإخوان من المسلسل لا مبرر له لأن هذا هو تاريخهم الحقيقى نقله الكاتب الكبير وحيد حامد بكل أمانة ودقة، وقد حان الوقت ليعرف الناس فى شوراع المحروسة حقيقة الجماعة المحظورة، وعلى يسار هذا وذاك تأتى الإجابة الثالثة على سؤال لمصلحة من عرض مسلسل "الجماعة" فى هذا التوقيت وبتلك الصورة؟ والإجابة الثالثة هنا تخص الإخوان المسلمين ومعهم عدد لا بأس به من أهل المعارضة وهؤلاء يرون فى المسلسل حالة تربص واضحة بالجماعة، وحالة تزييف لا ريب فيها لتاريخها وتاريخ رموزها.. (وربما يكون للإخوان حق فى هذه الرؤية خاصة وأن جهل وحيد حامد بالجماعة وتفاصيلها واضح للعيان، لدرجة أن الرجل جعل حسن البنا فى المسلسل يفرح مثل الأطفال الصغيرة حينما يقبل أحد يده بصفته المرشد، بينما حسن البنا فى كتبه وأدبياته يرفض هذا الفعل، سواء للمرشد أو غيره، ويعتبره أمراً مكروهاً، وهذا الأمر مثبت ومكتوب فى كتب الرجل وما ذكر عنه من أحاديث).
هكذا يرى الإخوان المسلسل وثيقة مزيفة كتبها مؤلف مشهور عنه عداوته للجماعة وحولها إلى مسلسل درامى تحمست الدولة لعرضه فى الموسم الرمضانى الأعلى مشاهدة لضرب الإخوان فى مقتل قبل الانتخابات البرلمانية القادمة.
الإجابات الثلاث السابقة اختلطت وامتزجت وارتبكت بعد الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان الكريم، أى بعد عرض 10 حلقات كاملة من المسلسل على الجمهور وبدأت تظهر نغمة جديدة لإجابة أعاد الإخوان المسلمون ترتيبها، وأكد عليها الكثير من أهل الإعلام والسياسة والثقافة من داخل الحزب الوطنى ومن خارجه، وهذه الإجابة تعزف على نغمة السحر الذى انقلب على الساحر، وأن التأثير الذى كان يهدف مسلسل "الجماعة" لزرعه فى نفوس الناس تغير بنسبة 180 درجة ليتحول من التشويه وفض الناس عن الإخوان إلى دعاية للجماعة التى انطفأت شمعتها فى الشهور الأخيرة، وتعاطف جمع الناس حولها مرة أخرى مثلما حدث قبل انتخابات 2005، حينما رفعت الدولة موجة الهجوم على الإخوان فى التلفزيون المصرى وصحف الحكومة، وجاءت النتيجة بأثر عكسى منح الإخوان 88 مقعداً فى البرلمان والمزيد من التعاطف الشعبى.
قيادات الإخوان تصدق تلك الإجابة وتروج لها، والكثير من أهل النخبة يرونها أمراً واقعاً وإجابة مقبولة، ويدللون على ذلك بما تفيض به المواقع والمنتديات الإلكترونية من تعاطف مع الجماعة وسخرية من المسلسل، والترويج لفكرة وجود نظرية المؤامرة خلف عرضه فى هذا التوقيت وصناعته بهذا الشكل المضاد للجماعة على طول الخط، وطبعاً أنت لست فى حاجة لأن أذكرك بأن أهل صحف الحكومة وأهل السلطة يروجون لعكس ما هو ذلك، ويؤكدون على أن المسلسل كشف جماعة الإخوان المسلمين على حقيقتها أمام المواطن العادى.
تعالى نتوقف كثيراً عن الخوض فى تفاصيل المسلسل، والبحث فى إذا ما كان تأثيره قد انعكس لمصلحة الإخوان أم لا؟ ونؤكد أن المسلسل بلا شك أعاد اسم الجماعة للظهور مرة أخرى بعد فترة عصيبة عاشها الإخوان المسلمون بين خلافات داخلية قاربت من تشويه صورة الجماعة المنظمة التى تحكمها الشورى وبين ظهور البرادعى والحملات المتبادلة بين أنصار جمال مبارك وأيمن نور، والتى اختفى بين صخبها صوت الإخوان وتواجدهم على الساحة السياسية.
سياسياً ألا ترى أن هذا الطرح المكثف لاسم الإخوان وفكرهم ورموزهم شيئاً يصب فى مصلحة الجماعة فى تلك المرحلة التى كادت أن تتراجع فيها إلى الصف الثالث فى كتيبة المعارضة أمام زخم تأييد النخبة للبرادعى وحماس الخارج له، وصخب ظهور السيد البدوى بقنواته وأمواله فى حزب والوفد، ومشاكسة وإثارة حملات أيمن نور وجمال مبارك بما تحتوى عليه من أشياء مضحكة وشعارات الشنب ومقاس مصر وغيره؟
الإجابة التى تقول هنا "نعم" تدفعنا لأن نسبق الأحداث بخطوة ونتخذ من الحالة التى أثارها مسلسل "الجماعة" نموذجاً للارتباك الذى تتعامل به الدولة مع جماعة الإخوان المسلمين، نموذج للارتباك الذى يدفع الدولة للإقدام على خطوات هدفها تقليم أظافر الجماعة ومحاصرتها شعبيا، ولكنها سرعان ما تتحقق أهداف عكس التى تتمناها الدولة وتمنح الجماعة الكثير من التعاطف أو إعادة الانتشار، أو التأكيد على وجودها القوى فى الساحة السياسية، تعالى نراجع معا أغلب الخطوات السياسية التى اتخذتها الدولة ضد جماعة الإخوان فى الفترة الأخيرة لتكتشف أن ارتباك الدولة فى مواقفها وفى الخطوات الأمنية أو الإعلامية أو السياسية التى تتخذها ضد الجماعة تمنح الإخوان المسلمين المزيد من القوة، وتعطيهم الكثير من الحلول فى أوقات يعجزون هم فيها عن إيجاد حلول لمشاكلهم الداخلية الكبيرة فى قلب الجماعة.
راجع حمالات الاعتقالات فى السنوات الأخيرة، وإصرار صحف الحكومة على إطلاق وتعميم ونشر لفظ "المحظورة"، وفرد صفحات ومساحات كبرى لشتم وسب وتشويه كل ما هو إخوانى، والإجراءات الاستثنائية التى تقوم بها الدولة وأجهزة الأمن مع كل انتخابات يشارك فيها الإخوان حتى ولو كانت انتخابات اتحاد الطلبة.. راجع كل هذه الخطوات والحملات الحكومية لتكتشف بنفسك كيف كونت كل هذه الإجراءات الأمنية الاستثنائية التى تتخذها الدولة فى فترات الانتخابات ضد الإخوان صورة ذهنية فى عقل المواطن المصرى عن قوة الجماعة، بدليل أن النظام الذى يدعى ضعفها يرتبك ويقف على ساق ويحرك أجهزته الأمنية بترتيبات استثنائية من أجل مواجهة مرشحيها فى أقاليم مصر المختلفة.. وغداً نواصل طرح الأسئلة حول حقيقة حجم الإخوان، ومدى تأثير الغباء السياسى فى التعامل معها على وضعها فى الشارع المصرى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة