اندهش الخبير الأمريكى لورى كلامنت من أن الاحتجاجات الفئوية فى مصر فى الأغلب الأعم تبدأ بالإضراب، رغم أنه من المفترض أن يكون آخر خطوة بعد رحلة تفاوض طويلة ومرهقة، فهناك طرق كثيرة ولا نهائية للضغط والحصول على حد معقول من الحقوق، وملاحظته الثانية هى أن الكثرة الهائلة من الاحتجاجات والإضرابات تعنى فشل المجتمع فى الوصول إلى اتفاقات عمل جماعية ترضى كل الأطراف، أو تحقق الحد الأدنى من مطالب العمال وأصحاب الأعمال.
كلام لورى مهم لسببين، الأول أنه يعمل فى اتحاد النقابات الأمريكى، ويملك خبرة كبيرة فى هذا المجال، بالإضافة إلى أنه مدرب شديد المهارة للنشطاء النقابيين فى الولايات المتحدة وغيرها من بلدان العالم.
السبب الثانى فى أنه يرى المشهد من خارجه، وهذا ما يدعو إلى التأمل فى رأيه، لكن قبله لابد من التأكيد على أن الاحتجاجات السلمية أمر يدعو للزهو الشديد، لأنه يعنى أن القطاع الأكبر من المصريين تخلى عن سلبيته، وقرر فى ذات الوقت عدم اللجوء إلى أى وسيلة فيها شبهة عنف أو تخريب للحصول على حقوقه، كما أنه على الجانب الآخر لابد من الاعتراف أيضاً بأن السلطة الحاكمة لم تعد تواجه هذه الاحتجاجات الفئوية بالعنف، ولم يعد الإعلام الرسمى يتعامل معها بمنطق "الشرزمة المندسة"، وبالتالى يتم المواجهة بالضرب والاعتقال، فلدينا تطور ديمقراطى.
لكن المشكلة تكمن فى أمرين الأول هو أن الناس سكتت على الحقوق سنوات وسنوات لأسباب كثيرة، ونفذ صبرها، من ثم فهى تبدأ من الآخر وليس من البداية، الأمر الثانى هو أن السائد فى ثقافتنا أن التفاوض فى حد ذاته هزيمة، فلا يجوز التفاوض من أساسه، ولكن لابد من إجبار الطرف الآخر على أن تنفذ كل المطالب دون حتى أن نجلس معه للتفاوض، أى نأخذ كل شىء، وفى أحيان كثيرة يؤدى هذا إلى أن نترك كل شىء.
أى أن التفاوض ليس تعبيراً عن لحظة محددة وعن توازن قوى وتوازن حقوق، وهو فعل دائم من قبل كل الأطراف، سواء كانوا أجراء أو أصحاب أعمال، ومن ثم فهو مشوار طويل، والحصول على خبراته سوف يستغرق وقتاً حتى تتعلمه كل الأطراف، بما فيهم أصحاب الأعمال، وتقبل بشروطه كل الأطراف.. فكما تقول أمى "أخد الحق صنعه".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة