بالرغم من الأنباء التى تحدثت عن تراجع الأمريكى المتهوس تيرى جونز عن حرق القرآن الكريم فى ذكرى سبتمبر، فإن الأزمة لم تنته، وكشفت عن أن الهوس العقلى والتطرف والعنصرية ليس لهما حدود، ولا علاقة لهما بالدين أو الإيمان. فالأمريكى المهووس لا علاقة له بالكنائس المسيحية فى العالم، حتى لو كان ينتمى لكنيسة بروتستناتية. والتعصب يقوم على كراهية وعنصرية ومرض عقلى فى بعض الأحيان.
الأزمة كشفت أيضا عن وجود حالة من الاستنفار والغضب لدى أنصار الديانات المختلفة الذين يعلمون أن الإيمان لايمكن أن يكون بإهانة العقائد الأخرى.
لقد كانت ردود الفعل عبر العالم واضحة وصادقة فى رفض العمل الأحمق الذى أقدم عليه القس المزعوم.. الفاتيكان والكنائس البروتستناتية. والكنيسة المصرية، فضلا عن المؤسسات الدولية وقامت مظاهرات من نشطاء من أديان مختلفة، أدركوا خطورة ما اقدم عليه القس المزعوم وغيره من معتنقى العنصرية والكراهية.
لكن الإيجابيات التى فى مثل هذه الأزمة وغيرها من الأزمات الأخرى أنها تفيد المسلمين المعتدلين الذين يشكلون أغلبية. وتنسف مزاعم كثيرة سادت بعد أحداث سبتمبر، وحاول المتطرفون فى الولايات المتحدة والغرب أن يلصقوا الإرهاب بالإسلام، وفشلوا عندما عرف العالم أن الإرهاب لا علاقة له بالدين وإنما هو ينبع من نفوس مريضة بصرف النظر عن المعتقد.
ورأينا كيف تحول حادث مقتل مروة الشربينى إلى انتفاضة ضد العنصرية والعرقية والتطرف فى ألمانيا وأوربا، لأن مروة رحمها الله كانت نموذجا لمسلمة معتدلة فقدت حياتها لأنها واجهت متطرف عنصرى. وكشف مقتل مروة الشربينى للغربيين أن وسطهم إرهابى متطرفين ينتمى بعضهم إلى المسيحية أو اليهودية وبينهم أيضا من يرفضون ذلك، وكان القضاة والشهود قد تعاطفوا مع مروة وواصلوا جهدهم حتى إدانة القاتل.
كان ألكسندر فينز قاتل مروة نموذجا للهوس. مثل القس المزعوم تيرى جونز الذى نادى بحرق القرآن.
جونز يمثل قطاعا فى الغرب ظهر بعد أحداث سبتمبر واستغل الغضب الذى اشتعل ضد القاعدة وتنظيمات الإرهاب، وحاولوا تعميم الأمر، بل إن أحداث سبتمبر التى تحل غدا ذكراها التاسعة، كانت مناسبة لخراب واسع على العرب والمسلمين بسبب هذا التعميم الذى استغلته الإدارة الأمريكية برئاسة جورج دبليو بوش وشنت حربا بدائية على أفغانستان والعراق، انتهت بتخريب البلدين دون أن تنهى القاعدة وبن لادن. وكأن هناك اتفاق بين بن لادن وبوش على حرق العالم.
وبقيت ذيول التطرف والعنصرية فى أشخاص مثل القس المزعوم الداعى لحرق القرآن.
وإذا كان جونز أعلن تراجعه بعد حملات من الرفض، وأيضا مخاوف أمريكية وغربية من أن يضر القس بمصالحهم.
لكن من إيجابيات ما فعله أنه أكد أن العنف والتطرف والعنصرية لا علاقة لها بالدين وإنما تنبع من أشخاص يظنون أنهم وحدهم فى العالم ويريدون فرض أفكارهم على الآخرين.
كما أدت محاولات جونز لارتفاع إقبال الأمريكيين على معرفة القرآن، والاطلاع عليه، وهى فرصة للمسلمين فى أن يقدموا المزيد للإسلام واعتداله وأنه دين يرفض العنصرية ويهدف لسعادة البشر وليس للقتل، وأن ينتبهوا إلى الاتهامات التى ألصقت بالإسلام بسبب جماعات مثل طالبان والقاعدة وباقى طوابير المتطرفين الذين ينتمون للإسلام.
ويمكن للمسلمين أن يستغلوا الحملة لإعلان رفضهم للتعصب والعنصرية، ويقدموا الصورة الصحيحة للإسلام التى لا يمكن إنكار أنها تأثرت بسبب بعض المتطرفين.وأن يعلموا أن التطرف والعنصرية لادين لهما. وأن حملات المتطرف جونز لا يمكن أن تؤثر مثلها مثل الكثير من الدعوات العنصرية. فالبشر لا يمكن أن يختلفوا لمجرد أن أحدهم ولد مسلما أو مسيحيا أو يهوديا. ويمكن السير فى دعاوى قضائية لإدانة جونز وأمثاله، ممن يمارسون إهانة العقائد.لأن احترام العقائد يحتاج إلى تحالف المؤمنين عبر العالم.