لا يبدو أن صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا ببطلان عقد أراضى مدينتى كافٍ ليقنع البعض بأن العدالة تحققت، فالعدالة يراها البعض فى عدم صدور الحكم، ويراها آخرون عدالة غير نافذة، ونحن فى زمن تختلط فيه الأوراق وتتداخل المصالح، وسوف نجد أنفسنا فى سياق وجهات النظر، لا الحق بين ولا الباطل بنفس الوضوح، وهناك من يستطيع تلوين الحقيقة، والدفاع عن الباطل ببعض الحق، ومن له مصلحة لا شك يرتاح لنصف الحقيقة.
هناك من يرى أن حكم الإدارية العليا لن ينفذ ولن تعود المليارات الستمائة، التى كان يفترض أن تصل إلى خزينة الدولة، بل إن البعض يتساءل، وقد فقد ثقته فى الحكومة والسلطة بأكملها: حتى لو كانت المليارات دخلت خزينة الدولة، لكانت اختفت مثل سابقاتها.
الحكم بالطبع يتعارض مع مصالح 200 ألف أسرة حجزت واشترت فى مدينتى، ودفعت عن رضا تحويشة العمر أو بعضها من أجل الفوز بمسكن آمن وإنسانى وراقٍ، وهؤلاء لا يهمهم كثيراً أن تكون شركة طلعت مصطفى دفعت حق الدولة أم لا، ولا يشغلهم إن كان ضياع حقوق الدولة حرم الكثير من المواطنين من خدمات وحقوق.
ولدى قطاع ممن تتعارض مصالحهم مع حكم الإدرارية العليا بالبطلان، من يرى أن الأرض لو عادت للحكومة لتحولت إلى عشوائيات، وضربوا مثلاً بمدن ومجتمعات تحولت تحت أيدى البيروقراطية والفساد الحكومى إلى عشوائيات أو أماكن تفتقر للخدمات، يتحدثون عن المطور العقارى الذى كأنه هشام طلعت، وكيف أن المطور العقارى أهم من المقاول، لأنه يبنى مجتمعات، حتى لو حصل على كل المرافق والخدمات بالمجان، وهل لو كان شخصاً آخر غير هشام لجنة السياسات والمقرب من السلطة، هل كان سيحصل على الأراضى بالمجان؟ نعم يقولون: لقد حصل مستثمرون كثيرون فى دريم لاند والساحل على الأراضى بالمجان أو ما يشبه المجان.
ويقولون أيضاً، إن هشام طلعت حصل على الأراضى بعقود وقع عليها مسئولون مفوضون من الدولة، والأجدر أن يحاسبوا، وإذا كان وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان قد انتهت البلاغات ضده بالحفظ، وهيئة المجتمعات العمرانية دافعت عن العقد، الذى لا شك راجعه مستشارون وقانونيون للحكومة وما أكثرهم، فهل وافقوا بمقابل.
وهل كانت حكايات القضايا العقارية الفاخرة والفندقية للكبار حقيقية؟ وهل صدر حكم البطلان لأن هشام طلعت فقد حريته، وفقد سلطته؟ يقولون أكثر من ذلك، لأن الحق والباطل أصبحا وجهات نظر تقبل المناقشة، ولا تكفى معها الحقيقة.
ويبدو سؤال ساذج: لماذا عندما يدافع البعض عن مصالحه، يبرر العدوان على حقوق الدولة؟ وكيف يمكن لشخص أن يحصل على حقه دون أن يتجاهل حقوق زملائه فى الوطن؟ ثم إن الدولة يفترض أن تضمن حقوق الذين اشتروا بناء على عقود صدرت رسمياً، وأقرت لهم مواقع قانونية، خاصة أن كل هذه العقود الباطلة، منحها ووقع عليها موظفون بمعرفة وتعليمات مسئولين كبار، وكانت السياسة هى التى تمنح وليس القانون، لأنهم مستعدون لتعطيل القانون من أجل أن يكسروا الإشارات، والضحية العدالة.