فضلت الحكومة أن تحل أزمة حكم مدينتى بطريقة "احيينى النهاردة وموتنى بكره"، وهى طريقة لا تنهى الأزمة لكنها تحلها اليوم بصرف النظر، عما يمكن أن يحدث بعد ذلك. المهم الحكومة تخلص من وجع الدماغ حتى لو رحلت الأزمة ليوم آخر.
ولهذا جاء قرار تشكيل اللجنة القانونية التى بحثت عن ثغرة تنفذ منها، بينما الطبيعى أن يتم البحث عن حل واضح يراعى القانون والمصلحة العامة ومصالح الحاجزين وأصحاب الوحدات. ولو كانت الحكومة جادة فى الحل لكانت شكلت اللجنة مبكرا، ومنذ صدور الحكم الأول من محكمة القضاء الإدارى ببطلان عقد مدينتى، لكن الرهان كان على أن الحكم سوف يلغى فى الإدارية العليا، وهو ما لم يحدث، وتم تأييد الحكم.
الحكومة تتصرف بنفس الطريقة فى كل أزمة، ومع كل حكم قضائى يتعلق بأزمة كبرى، وهى طريقة تكشف عن عدم وجود نية للحل، بل أحيانا تكشف عن سوء نية، وكان يمكن تشكيل لجنة من خبراء فنيين وقانونيين تكون مهمتها ليس فقط البحث عن ثغرة وإنما البحث عن توصيف وحل.
ما جرى أن الحكومة، بعد تعليمات الرئيس، طلبت من اللجنة الالتفاف حول القانون والحكم القضائى، والخروج من المأزق اليوم، وجاء الحل التوفيقى الذى وضع الحكومة فى صورة "الألعبان" الذى يجيد اللعب بالبيضة والحجر وليس فى صورة السلطة القادرة على الحل ومراعاة مصالح كل الأطراف. ولهذا تم إنهاء الأزمة فى الشكل فقط، بالالتفاف على الحكم القضائى، وهو ما يجعل الباب مفتوحا لمزيد من الصراعات القضائية التى قد تعيد الأزمة من جديد وتجعلها فى سياق القضايا المزمنة.
كانت هناك فرصة لبحث الوضع القانونى للمشروعات العقارية بشكل يضمن استقرار وضعها القانونى، وأن يتم هذا بشكل نهائى، وليس بالقطعة كما تفعل الحكومة، التى تتعامل بالأهواء وحسب الظروف، وليس بقاعدة ثابتة ومحددة.
هناك أزمات تحيط بالكثير من المشروعات العقارية مثل السليمانية التى تشهد خلافا مع الزراعة، كما أن ما ينطبق على مدينتى ينطبق على الكثير من المشروعات المتشابهة، وكل هذا يؤكد أن الحكومة أو النظام كله لا يراعون القانون وأن الأمر كله محكوم بالأهواء ومدى متانة العلاقة مع النظام سياسيا وليس قانونيا.
الأزمة الحقيقية فى مصر طوال أكثر من ربع قرن، أنه لا يوجد قانون واحد يحكم الجميع، وإنما يمكن تطويع القانون والقفز عليه حسب الموقع السياسى وعلاقات النفوذ. وهو ما يعنى أنه لا يوجد عدالة واحدة تجعل الكل أمام القانون سواء.