لا أعرف إن كان من المقبول أن أعود للحديث مرة أخرى حول صورة الرئيس التى تلاعبت الأهرام بمحتوياتها فجعلت أهل الخلف فى الأمام وأهل الأمام فى الخلف؟، لا أعرف إن كان مقبولا لديك عزيزى القارئ أن أعود لأرغى فى تلك الحدوتة التى قتلها الناس بحثا وسخرية طوال الأيام الماضية؟.
آسف عزيزى القارئ إن بدوت لك مملا أو شخصا لم يجد شيئا يحكيه فقرر أن يحكى فى المحكى، ولكن يبقى لى عذرا واضحا ومنطقيا وأنا أفعل ذلك.. والعذر هو أننى كنت واحدا من ملايين المصريين الموجودين فى الخارج وقت أن قررت الأهرام أن تبتكر مفاهيم جديدة لفبركة الصور مطلقة على ذلك فن تعبيرى أو ابتكارى حسب توضيحات المسؤلين عنها.
أنت ياسيدى لا تعرف معنى الشعور بالذل فى الغربة، لا تعرف إلى أى مدى تذهب كرامتك وكل الناس من حولك ينظرون إليك بابتسامة ساخرة وكأن عيونهم تقول: "الراجل ده من البلد اللى بيزوروا فيها الصور ثم يستهبلون على الناس ويقولون إنها ابتكارية".. أنت ياسيدى لم تعش تلك اللحظات التى عشتها فى نيويورك وأغلب الصحفيين والسياسين فى الأماكن التى زرتها يلقون بالنكت والقفشات الساخرة على مافعلته الأهرام بصورة الرئيس مبارك، أنت لم تكن معى حينما قالت لى "كيلى أرينا" أهم محررات ال"CNN": لو أن أمرا مثل هذا حدث فى بلد محترم لذهبت بسببه حكومات وتغيرت بسببه تواريخ".
أنت يا سيدى لم تكن معى وأنا أقف أمام الناس كلها فى نصف هدومى لا أجد ردا مناسبا أو تعليقا محترما ينقذ بعضا من ماء وجهى وماء وجه بلدى.. أنت يا سيدى لم تكن معى فى نيويورك وأنا أفتش كالمجنون على الإنترنت عن أى رد فعل محترم أواجه به الناس.. كانت الساعة تمر خلف الأخرى وأنا فى انتظار قرار رئاسى بعزل المسئول عن الأهرام إداريا وتحريريا أو بغلق الأهرام نفسها حتى أجرى إلى المسئولين والصحفيين الأمريكان وأضع خبر العقاب فى عيونهم.. ولكن شيئا من هذا لم يحدث.. صمت الرئيس وصمتت الدولة وكأن تفسيرات الصورة الابتكارية والاعتبارية أعجبتهم، والأغرب من كل هذا أننى فى زحمة البحث لم أجد أحدا قد شعر بحجم الكارثة وتأثيرها على مصر ودورها وحجمها، فقط توقف الجميع عند البحث عن أجمل المعانى للسخرية من الأهرام أو الحديث عن الخطأ المهنى الفظيع ولم يتطرق أحد لهذا التأثير المدوى للصورة الفضائحية فى الخارج، الأمر هنا فى أمريكا وصل إلى حد التشكيك فى المنظومة الإعلامية المصرية كلها واتفق جميعهم على أن الانطباع الجيد الذى تركه الرئيس مبارك فى المفاوضات الأخيرة تأثّر كثيرا بتلك الصورة التى حولت مصر إلى نكتة وزرعت شعورا بالخجل والكسوف لازمنى فى كل مكتب وكل مؤسسة زرتها.. لا يمكنك أن تتخيله، ولا يمكننى أيضا أن أصف لك شعور طأطأة الرأس وانكسارها حينما يأتى الناس على ذكر الموضوع لأنه شعور أفظع مما تتخيل.
لن أكلمك عن المهنية ولن أكلمك عن محاولات الالتفاف والتزييف الساذجة والهبلة التى لجأ إليها الأستاذان أسامة سرايا وعبد المنعم سعيد فهى محاولات تكفى لأن تشرح لك الطريقة التى يفكر بها الرجلان المسئولان عن أكبر مؤسسة إعلامية فى مصر وفى نفس الوقت تجلب من نفسك الكثير من الشفقة على حالهما وحال المؤسسة العريقة وحال البلد كلها، أنا ياسيدى سأكتفى بما ذكرته لك عن حالى فى الغربة لعلك تستخلص منه حجم التشويه الذى سببته تلك النزوة الساذجة وذلك الخطأ المبنى على رغبة قوية فى النفاق.. نفاق الحاكم حتى ولو كان ذلك على حساب المهنة والصدق والأخلاق.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة