خطأ مهنى، أو اجتهاد خاطئ، حول عدد كبير من الخارجين على التقاليد الصحفية إلى حكماء، وباتت جريدة الأهرام «مجرمة» فى حق المهنة والوطن، معظم الذين التقيهم يسألون: كيف حدث هذا؟ وهل يرضيك ما حدث؟، ويجيبون بسخرية وشماتة إجابات مؤلمة، وكأن كل شىء مضبوط فى مصر، وخطفت الصورة«النشاز«عيون حماة التقاليد، فانتبهوا إلى الأخطار التى تهدد سلامة الوطن، أنا لا أدافع هنا عن أحد، ولكن لا تستحق جريدة الأهرام (التى تجر خلف ظهرها تاريخاً محترماً) كل هذا، ولا يحتمل صحفيوها وكتابها كل هذا اللوم، ثم إن الجريدة (الأكثر توزيعاً) ليست ملكاً للقائمين عليها، وإنما هى ملك للمصريين جميعاً، وأصبحت جزءاً من وجدانهم لأسباب قديمة متجددة لم يستوعبها المتربصون بعد، سألنى أحدهم: من المستفيد من النيل من هيبة الأهرام؟ قلت هى النخبة الجديدة، التى يصرف عليها رجال الأعمال منذ أكثر من ست سنوات، وفتحت لها الفضائيات والصحف والمنتجعات للإعلاء من شأن الصراعات الصغيرة وتجاهل القضايا الكبرى، لقد نجحت الشلة الاقتصادية المسيطرة والمدعومة من حكومة الأغنياء، من هز ثوابت الدولة، وجيشوا جيوش الرأى لكى يأخذ أصحاب العمل أرض الدولة بالأمر المباشر، وأصبحت النخبة الجديدة بسبب الفراغات التى تخللت السلطة، قادرة على تشكيل الرأى العام، لا أحد فيهم يتحدث عن إسرائيل (لأن البيزنس لا يعترف بالجنسية)، ولا عن المد الوهابى الذى غير شكل الناس، ولا عن البحث العلمى والصحة والتعليم، هم يركزون على القضايا التى تتناولها المحاكم، لا يوجد حديث عن المستقبل، الصحف القومية هى الأخرى أصبحت حكومية أكثر من اللازم، ولم تعد تعمل عند القارئ، وغالبية الصحف الخاصة تدافع عن مصالح الذين «عملتهم» الحكومة أكثر من اللازم أيضاً، وبقى القارئ الباحث عن إجابات فى حيرة أكبر، أزمة الصورة وتداعياتها تؤكد أن ضغوطا جديدة تمارس من أجل خصخصة الصحف القومية وعلى رأسها الأهرام، لكى يدلدل رجال الأعمال - الذين يقفون إلى جانب الحكومة فى أزماتها - أرجلهم فى رؤوس الناس، لإقناعهم أكثر بأن اقتصاد السوق هو الحل، ولأن التفاح أرخص من الطماطم وأنه وأنه.. الصورة «المفبركة» اعتبرتها الداعية نوال السعداوى بدل الحقيقة المؤلمة فى المصرى اليوم واعتبرتها لا تعرف كيف؟ نتيجة أننا «نعيش حضارة طبقية أبوية واحدة، وليس عدة حضارات، تغير من صورتها على الدوام لتخفى حقيقتها على الدوام»!، وراح آخرون يؤكدون أن هذه السقطة ستفضح الزيف الذى تفشى فى المجتمع، وكنت أتمنى عرض عشرات المقالات التى تناولت الموضوع، خاصة الحارة منها، والتى حزن أصحابها على الأهرام أكثر من حزنهم على فلسطين وضحايا العبارة والدويقة والخصخصة، لقد أحزننى التربص بالأهرام بالفعل، رغم أن المكان الذى يشرفنى الانتماء له والذى منحنى استقراراً ما، فى هذه اللحظة ليس كما أتمناه، وأحزننى أكثر خضوع رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير لابتزاز الفضائيات لتبرير خطأ مهنى أو اجتهاد مهنى خاطئ (على حد تعبير مكرم محمد أحمد فى مقاله الرائع فى أهرام الجمعة)، وكان يكفى توضيح الصورة مرة واحدة.. وينتهى الأمر.