إذا أخذت مواقف وتصريحات الدكتور سعد الدين ابراهيم مأخذ الجد، يمكن أن تصاب بالاندهاش، وإذا وضعتها فى سياق حالة الفوضى الملتبسة، ومسيرة الدكتور نفسه فإن التناقض والالتباس يبدو مفهوما، حتى لو تناقض مع القوانين الطبيعية والعقل المنطقى.. فالسياسة فى مصر بلا منطق.
الدكتور سعد الدين إبراهيم مثقف وعالم اجتماع كبير كانت له طموحات ورغبات سياسية أدخلته كثيرا فى منطقة التناقض، هو الذى تبنى نظرية تجسير العلاقة بين المثقف والسلطة، أجاد تطبيق نظريته أحيانا وفشل فى أحيان أخرى، نسج علاقة مع نظام الحكم فى مصر ومع مؤسسات الدولة، ولعب دور المستشار المستعد لتقديم خدماته وأفكاره لخدمة السلطة، ولعب دور المستشار المعلن أو الخفى، عندها كان يبدو كأنه خبير يقدم خبراته باحتراف، فى المقابل حصل على حرية الحركة والعمل الاجتماعى والبحثى الممول دوليا، ولم ير تناقضا بين الدعوة للديمقراطية فى مصر، والإشادة بديمقراطية قطر التى عمل لديها وحصل على دعمها.
عاد الدكتور سعد من منفاه الاختيارى بعد ثلاث سنوات، وقال إنه كان يخاف من قضايا وبلاغات ضده، لكنه عاد ولم يقبض عليه ولم يسأله أحد عن دعوته للرئيس الأمريكى السابق جورج بوش بالضغط بالمعونة لإجبار مصر على الديمقراطية، بوش لم يسمع كلام الدكتور سعد ولم يدعم الديمقراطية، لكنه غذى الحروب، وفكك العراق وترك المنطقة أكثر تسلطا. وعاد سعد ليعلن أن دعاة الديمقراطية العرب يفتقدون بوش رغم اختلافهم مع سلوكه فى العراق.
عاد الدكتور سعد بسهولة، لم يتعرض له أحد، وهو نفسه أكد أنه لم يرجع بصفقة، وأنه لا يعقد صفقات مع أحد، ولا أحد يعترف بصفقة، لأنها لو كانت معلنة، لكانت اتفاقا، أو ربما بالغ فى شعوره بالخوف عندما اختار المنفى الاختيارى.
الدكتور سعد بعد عودته وقع لائتلاف دعم جمال مبارك، ونفى أن يكون هذا من أجل دعم التوريث، وبرر ذلك بكلام يحمل بعض المنطق، فالدكتور سعد خبير وعالم ومثقف، يجيد تبرير مواقفه، لكنه عندما شعر البعض بالصدمة من موقفه الذى يدعو للديمقراطية ويوقع للتوريث الذى كان يعارضه فى الدول العربية باستثناء قطر، بعد توقيعه على أوراق ائتلاف جمال مبارك، أعلن الدكتور سعد أنه سيدلى بصوته فى الانتخابات للإخوان المسلمين، مع أنه ليس حليفهم، ولم نعرف إن كانوا يصدقونه أم لا، وما إذا كان موقفه محاولة للتغطية على انحسار مطالبه وتحريضه.
الدكتور سعد رجل ثقافة وسياسة واجتماع يعرف كيف يزن كلماته، لكنه فى لقاءاته وتصريحاته يحاول أن يرضى كل الأطراف.. البرادعى، وجمال مبارك، وأيمن نور، والإخوان، وربما الحزب الوطنى.
الدكتور سعد كان قبل محاكمته بتهمة الرشوة الدولية من المقربين جدا للنظام فى مصر للرئاسة والحكومة، قدم خدماته من خلال نظرية تجسير العلاقة بين المثقف والسلطة، كان يقدم برنامجا تليفزيونيا، ويكتب كما قال افتتاحيات صحف قومية، ويقدم نصائح بقرارات وخطابات، وكان مركزه يعمل ويحصل على تمويل معلن، وصدر ضده حكم بالسجن، ألغته محكمة النقض، وبعد أن كان أقرب للحليف، تحول إلى خصم، وعاد ليمارس تناقضاته، ويندهش من أى انتقاد، ولا يرى أنه شخصيا يدهش من حوله ومن وراءه بتحالفاته ومساعيه ومواقفه الأكروباتية.