بدأت أمس الأول فى تناول كتاب "عبد الناصر والإخوان بين الوفاق والشقاق" للكاتب المتألق الصديق سليمان الحكيم، وتأتى أهمية هذا الكتاب الصادر عن دار "مكتبة جزيرة الورد"، أنه يطرح رؤية مغايرة للروايات التى صدرتها جماعة الإخوان المسلمين عن قصة الصراع بينها وبين عبد الناصر، وقوة الرواية التى تحتويها صفحات الكتاب تأتى من أنها على لسان المستشار الدمرداش العقالى الذى كان أحد أبرز أعضاء الجهاز السرى فى الإخوان، وكان زعيم طلاب الجماعة فى الجامعة فى مطلع الخمسينيات من القرن الماضى، وارتبط بصلة قرابة بسيد قطب، فضلا عن أنه انضم إلى الإخوان قبل أن ينضم إليها قطب.
وعن حادث المنشية بالإسكندرية عام 1954، والذى أطلق فيه الإخوان الرصاص على جمال عبد الناصر فى محاولة لاغتياله كان حقيقيا، وليس مدبرًا كما يدعى الإخوان كلما جاء ذكر الحديث عن هذه القضية.
هكذا أكد العقالى، ويشرح بالتفصيل كيف تمت هذه العملية، كما يتحدث عن العلاقة التى ربطت بين عبد الناصر والمرشد العام للإخوان فى سوريا مصطفى السباعى، وهى العلاقة التى بدأت بعد الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، ووصلت إلى درجة أن السباعى جاء إلى مصر ليتصل برموز الإخوان مؤكدا لهم أنه إذا ضاع عبد الناصر فلن تعوضه الحركة الإسلامية.
ينتقل الكتاب إلى أخطر فصوله وهى الخاصة بعلاقة عبد الناصر بسيد قطب، تلك العلاقة الملتبسة، وكيف بدأت عميقة وانتهت بإعدام قطب، ويبدأ من التأكيد أن قطب كان من أشد المؤمنين بثورة يوليو 1952 وكان شديد القرب من جمال عبد الناصر حتى اختاره نائبا له فى هيئة التحرير وهى التنظيم السياسى الأول للثورة، ثم انقلابه على الثورة، ويقول العقالى إن أول شرخ فى العلاقة بين عبد الناصر وقطب، بدأت بعدم وفاء عبد الناصر لوعده لقطب بإسناد وزارة المعارف له، وهى الخطوة التى أدت بقطب إلى الانزواء، والاقتراب من الإخوان، وتولى قطب بعدها رئاسة تحرير جريدة الإخوان المسلمين، بعد أن وافقه عبد الناصر على إصدارها، ومنذ العدد الأول من الجريدة بدأ قطب فى هجومه على الثورة وعبد الناصر، مبتكرا شخصية "قرفان أفندى" الكاريكاتورية ليحملها هجومه الذى أراده على المرحلة الجديدة، ويؤكد العقالى أنه رغم هذا الهجوم إلا أن علاقة عبد الناصر بقطب لم تنقطع، حتى وقعت أحداث المنشية، فتم القبض على قطب، وحكم عليه بـ 15 عاما على إثر حادث المنشية، ويؤكد أنه كانت هناك تعليمات من عبد الناصر شخصيًا بمعاملته معاملة حسنة حتى أنه تمكن من مواصلة قراءاته وكتاباته، فكتب معظم مؤلفاته خلال الفترة التى أمضاها فى السجن، وسمح له بطبع كتبه وتداولها فخرج "فى ظلال القرآن" فى أكثر من طبعة جديدة.
ويكشف العقالى أنه فى أعقاب صدور الميثاق الوطنى عام 1962، دارت المناقشات حوله فى أوساط المثقفين المصريين، وكان الرأى الغالب على تلك المناقشات يتجه نحو الماركسية واليسار، وحين أراد عبد الناصر الخروج من هذا المأزق الذى وجد الماركسيين يحفرونه له، لم يجد غير سيد قطب وحده القادر على أن يفهم الميثاق فهما إسلاميا، فأفرج عنه واستقبله فى بيته، وقال له:
"إن الجماعة الماركسيين افتكروا إن الميثاق فتح لهم الطريق" لمركسة " الثورة، وأنت أعلم بأن الثورة ليست ماركسية ولن تكون، وأنا أريدك أن تكتب عن الإسلام، فى مواجهة الماركسية لإيقاف هذا المد الماركسى عند حده"، فسأله سيد قطب :"وهل سيتركنى زبانيتك لأكتب ما أريد"، فرد عبد الناصر:" اكتب ولا شأن لهم بك"، ويؤكد العقالى أن قطب خرج من مقابلة عبد الناصر ليكتب أخطر كتبه على الإطلاق وهو "معالم على الطريق"، الذى يكاد يكون الأساس فى الفكر المتطرف الذى تشهده الساحة الآن، أو
"ما نفيستو" الإرهاب.
ويقول العقالى، إن كتابات سيد قطب فى هذه الفترة جاءت لتدعو إلى تكفير المجتمع، وتم طبع "معالم على الطريق" أكثر من طبعة جديدة، كانت تنفد كل منها بعد ساعات من إصدارها، وكتب سيف اليزن خليفة رئيس المباحث العامة فى تلك الفترة، تقريرًا عن الكتاب يصفه بالخطورة على المجتمع، ورفع التقرير إلى جمال عبد الناصر يطلب فيه منع الكتاب من الطبع أو التعرض له، إلا أن عبد الناصر رفض عملا بالوعد الذى قطعه لسيد قطب بألا يسمح لأحد بالتعرض لكتاباته، وأن يتركه حرًا يكتب ما يشاء.
ويختتم العقالى قصة سيد قطب مع الثورة بالتأكيد على أنه رغم الكتب الكثيرة التى وضعها سيد قطب قبل الثورة وبعدها، إلا أنه لم يغنم من ورائها ماديا، قدر ما غنمه من "معالم فى الطريق" الذى ألفه بعد خروجه من السجن، فغير مسكنه من شقة متواضعة إلى فيللا فاخرة فى حلوان، واعتبر ذلك مؤشرًا صحيحًا على اندماجه فى المجتمع وانسجامه مع الأوضاع فيه حتى كانت أحداث 1965 الدامية التى تم بسببها الحكم بإعدامه.
يتعرض الكتاب إلى قضايا أخرى هامة مثل قرار عبد الناصر بتطوير الأزهر، وقصة جهوده من أجل التقريب بين المذاهب الأربعة وغيرها، وأهم ما فيها أنها رواية من رجل كان فى قلب الإخوان، كما أنها تفكك كثيرا من روايات التاريخ الإخوانية التى تم تصديرها بظلم كبير لعبد الناصر، والخطر أن هذه الروايات تصدرت وكأنها كانت صراعا دينيا، فى حين أنها كانت صراعا سياسيا، ورحم الله الجميع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة