التجربة السورية.. نفس الشوارع.. نفس رجال الأمن.. الله على الوحدة

الخميس، 13 يناير 2011 09:08 م
التجربة السورية.. نفس الشوارع.. نفس رجال الأمن.. الله على الوحدة باعة جائلون.. مشهد مصرى سورى
رسالة دمشق - محمد صلاح العزب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ استغرقت الرحلة من دمشق إلى القاهرة ساعة وعشرين دقيقة واستغرق السفر من مطار القاهرة إلى الهرم ثلاث ساعات وربع الساعة
لم يكن اختراعا حين فكر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى قرار الوحدة بين مصر وسوريا، فأنت بمجرد هبوطك فى الأراضى السورية تشعر أنك فى مكان ما من مصر لم تزره من قبل، وحين تجلس مع السوريين وتعاشرهم لن تشعر بأى اختلاف سوى فى اللهجة، حتى يبدو الأمر وكأن الوحدة هى الشىء الطبيعى والمنطقى، وأن المساحة الجغرافية الفاصلة بين البلدين ما هى إلا هواء يمكن تجاوزه.

الشارع السورى هو الشارع المصرى ويمكنك أن تشبه أى مكان هناك بمكان هنا، لكن بنسبة أقل من الزحام وأقل بكثير من القمامة، لكنك ستلتقى بأمين شرطة يلعب فى موبايله وشحاذ يستعطفك بأن «حسنة قليلة تمنع بلاوى كتيرة» لكن بالسورى، وميكروباص يقف فى ملف حتى ينزل مواطنا، وماسح أحذية يجلس بجوار الرصيف يخبط بالفرشاة فى الصندوق وهو يتأمل أحذية المارة، ومقهى يضع كراسيه فى عرض الطريق، ومحل يفرش بضاعته لمترين أو ثلاثة أمام بابه، وعربة سوزوكى عليها بضاعة ينادى عليها سائقها بميكرفون.
الشارع السورى أيضا ملىء بلافتات تأييد الرئيس الراحل وابنه الرئيس الحالى، ولافتات مدارس ومصانع ومعاهد وهيئات ومبان باسم الرئيس الراحل وابنه الحالى، وبصور الرئيس الراحل وابنه الحالى وبالدعاء للرئيس الراحل وابنه الحالى.

هبطت الطائرة فى مطار حلب الدولى، وأمام ضباط الجوازات، كانت المعاملة مختلفة قليلا عن باقى المسافرين.

طالما أن حضرتك صحفى فالمعاملة ستختلف قليلا، من أين جئت؟ ولماذا أتيت؟ وكم المدة التى ستقضيها؟ ومن دعاك؟ ولماذا؟ وعليك أن تملأ استمارة فيها كل معلوماتك وبياناتك فى مصر وسوريا.

بعد أن تخرج من المطار متأخرا عشر دقائق عن باقى المسافرين وبعد أن يبتسم لك ضباط الأمن الذين يذكرونك بإخوتهم فى مصر معتذرين بأنها الإجراءات وأنهم يحبون مصر والمصريين ستركب الأتوبيس الذى سينقلك إلى محافظة الرقة على بعد 200 كيلو متر تقريبا، لحضور مهرجان العجيلى للرواية العربية، وبمجرد أن تصعد إلى الأتوبيس تواجهك لوحة تحذيرية كتبها السائق على ورقة A4: ممنوع لمس البرادى، كنا خمسة مصريين، الروائيون: خليل الجيزاوى وهالة البدرى ومى خالد ومحدثكم، والكاتب الصحفى بالأهرام سيد محمود، وحتى رجعنا إلى مصر لم نعرف ما هى البرادى تحديدا حتى لا نلمسها، وربما نكون قد لمسناها دون أن نعرف فغضب منا السائق ولم يتكلم مراعاة لمصريتنا ووطنيتنا حماها الله، أو لأننا ضيوف هبطنا إلى البلد لتونا فلا يليق أن يزعجنا لمجرد أننا لمسنا البرادى دون أن نعرفها.

تمر جلسات المهرجان الرسمية سريعة، وتبقى مدينة الرقة فى الذاكرة تشبه مدينة دمياط أو قنا، فى شوارعها ومواصلاتها وسكانها، قريبة من نهر الفرات، ومدينة الرصافة القديمة التى تقع شمال بادية الشام السورية فى الجنوب الغربى من الرقة، وتبعد عنها نحو خمسين كيلومتراً، وقد عرفت المدينة فى العهد الرومانى والبيزنطى باسم سيرجيوبوليس Serigiopolis أى مدينة القديس سركيس.

وللرصافة تاريخ موغل فى القدم، وورد ذكرها فى كتابات آشورية تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد كمركز آشورى، وقد ظهر غنى المدينة فى بنائها الذى يعتمد على الرخام الوردى المزين بالجص. وتضم ثلاث كنائس ضخمة بنيت بين أواخر القرن الخامس الميلادى وبداية القرن السادس الميلادى، الجدران الخارجية لإحداها لا تزال قائمة، ولها مخطط مختلف عن بقية الكنائس. وهناك بناء من العصر الإسلامى ذى قباب ومسجد وحمام خاص وخان.
7 ساعات كاملة يقطعها الأتوبيس نفسه بتحذير عدم لمس البرادى من الرقة إلى دمشق.
انتهى المهرجان فى الرقة، ولو غادرت سوريا الآن فكأنك انتقلت من القاهرة إلى دمياط ورجعت ليس أكثر.

الطريق بين الرقة ودمشق يشبه الطريق الصحراوى، والجبال به تشبه طريق العين السخنة، ودمشق نفسها تشبه مناطق كثيرة فى القاهرة، وسوق الحميدية يشبه الموسكى وخان الخليلى، هنا محل بكدش للبوظة، ليست بوظة التوت والنبوت، ولكن الآيس كريم المصنع يدويا فى المحل الشهير الذى زاره كبار قادة ونجوم العالم والتقطوا فيه الصور التذكارية، أنت الآن سائح رسمى، تخرج من المحل لتشترى التذكارات الشامية، وتلتقط الصور فى كل مكان تمر به.

فى سوق الحميدية محال مخصصة لبيع أسطوانات كل ما قد يخطر ببالك من الأعمال الفنية العالمية، أفلام، مسلسلات، أغان، موسيقى، من كل الجنسيات والمستويات والسنوات، سعر الاسطوانة حوالى 500 ليرة، أى خمسة جنيهات تقريبا، وليس هناك قانون لحماية الملكية الفكرية ولا شرطة للمصنفات، وبجوار محل الاسطوانات تجد محل الحلاوة بالجبن، فلا تعرف هل يبيع حلاوة أو جبنة، فتقرر أن تخوض التجربة المختلطة، فتشترى لنفسك واحدة لتكتشف أنه يبيع حلاوة بالجبنة فعلا.

سريعا يمر اليومان اللذان قضيتهما فى دمشق، لكن أكثر ما يحزنك على فشل الوحدة بين مصر وسوريا حين تمشى فى شوارع دمشق وترى السوريات يسرن حولك كجميلات السينما والتليفزيون كأنك فى مسلسل سورى ممتد طوال اليوم.

وفى المطار يصر ضباط الأمن أن »تحكى لهم شى نكتة« ما دمت مصريا، فتحكى لهم أول نكتة سياسية تأتى على بالك، فيضحكون من قلوبهم وهم يتلفتون حولهم ويودعونك.
استغرقت الرحلة من دمشق إلى القاهرة ساعة وعشرين دقيقة، واستغرق السفر من مطار القاهرة إلى الهرم ثلاث ساعات وربع الساعة، عظيمة يا مصر يا أرض الهرم.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة