يومان فقط فصلا بين خطاب الرئيس التونسى زين العابدين بن على الذى يتهم فيه المتظاهرين ويحذرهم، وبين خطاب الأمس الذى عاد فيه ليعلن أنه يتفهم المتظاهرين ومشكلاتهم ويعترف بأنه تعرض للتضليل، "لقد ضللونى".. هكذا أعلن الرئيس التونسى زين العابدين بن على فى خطابه الأخير بعد أيام الذى قال إنه استجابة للشعب.
خطاب الخميس هو الخطاب الرابع للرئيس التونسى منذ بداية المظاهرات والاحتجاجات، كان مختلفاً كلياً.. فقد كان خطاب يوم الثلاثاء كالعادة يتهم المخربين بالعمل لصالح جهات أجنبية وتوعد وحذر.. لكنه أمام المظاهرات التى بدت جادة أقال وزير داخليته وأعلن أنه سيغادر الرئاسة 2014 وألغى الرقابة، وأمر بترخيص الأسعار، وقال إنه أقال مستشاره لرئاسة الجمهورية ومتحدثه الرسمى، يبدو أن الرئيس التونسى فهم أنهم ضللوه منذ يوم واحد فقط، وبدا كأنه طوال سنوات حكمه الطويلة كان مضللاً ومستشاروه يضللونه ويقدمون له معلومات خاطئة، أقال وزراءه وبدا وحده القريب من الشعب المستجيب له.
لقد قال الرئيس فى خطابه التحذيرى، إن حكوماته حققت إنجازات فى التعليم، إنه يريد توفير فرص عمل للعاطلين والخريجين وأن العالم شهد لتونس وأنه يريد شعباً متعلماًَ، وأنه مع تكريس الحوار والديمقراطية، وبدا يفسر ما يجرى بأن هناك مساعى لتطبيق العدل، لكنه تجاهل هتافات المتظاهرين واتهاماتهم بالفساد للمقربين من الرئيس وعائلته، فضلاً عن طغمة المتحالفين مع السلطة والذين يحظون بالمكاسب.
الرئيس بن على فى خطاب الثلاثاء التحذيرى قال إنه لا يمكن أن يقبل الحالات الفردية والأهداف السياسية والعوامل الخارجية وأقلية من المحرضين والمأجورين يدفعون للعنف والشغب، وقال إنه هذا مرفوض فى دولة القانون ومظهر سلبى وغير حضارى يعوق الاستثمار والسياحة. وقال إن القانون سيطبق على هؤلاء بكل حزم، لكنه فى خطابه الخميس اضطر للإفراج عن هؤلاء وأن يقيل وزير داخليته لتهدئة المواطنين، كان المواطنون يتظاهرون ضد الفقر والظلم وغياب العدالة والفساد الذى يستفيد منه قليلون ويضار منه أغلبية ويرون أن جهود التنمية تذهب سدى مع هذا النظام الذى يرفض الاعتراف بالظلم الاجتماعى.
وكلها أمور لا علاقة لها بجهات خارجية كما اتهم الرئيس بن على، بل بالداخل، بالفقر والظلم والتسلط، وغياب العدالة وانتشار الفساد، الذى يجعل الإنجازات لصالح فئة محدودة.
الرئيس بن على اعترف بذلك متأخراً، وقال إنهم ضللوه، مع أنه طوال سنوات استبعد المعارضة، وواصلت أجهزة الأمن عمليات القمع والتهميش للمعارضين والشباب، وأغلقت سبل التعبير، وساندت الظلم الذى أنتج عاطلين ومحبطين ومنتحرين.
لقد بدأت الاحتجاجات فى تونس من سنوات، لكن النظام لم يكن يسمع، ولما اشتعلت الأوضاع خرج الرئيس ليقيل مسئولين ويعترف بأنه لم يكن يعرف وأن هناك من ضللوه "لقد ضللونى".. وأعلن إطلاق الحريات وإلغاء الرقابة وتخفيض أسعار السلع والمرافق، واعترف أنه كان مضللاً.
فهل يكفى الاعتذار لتهدئة المواطنين الغاضبين؟ هل كان الرئيس مخدوعا؟ هل كل الرؤساء والزعماء المتسلطين مضللون؟.. ويا ترى هل المستشارون هم من ضللهم أم أن المستشارين كانوا يقولون له ما يريد سماعه وما يقوله؟ هل وزير الداخلية هو المسئول عن الضرب أم من أعطاه الأمر.. وهل كان بالفعل مضللاً أم أن هناك من يريد تضليل الجمهور الغاضب حتى يعود لهدوئه؟ ومن يا ترى يمارس التضليل؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة