هكذا الأنظمة الديكتاتورية تتهاوى وتتساقط أمام إرادة الشعوب فى الحرية والانعتاق من أسر الاحتلال الوطنى لرؤساء ظنوا أنهم استعبدوا شعوبهم وتوراثهم لعشرات السنين.. سقط زين العابدين بن على وفر هاربا مع اشتعال ثورة الغضب للشعب التونسى مثلما فر من قبله ماركوس الفلبين، وشاه إيران، ونميرى السودان.
أقلع زين الهاربين على أول طائرة بعد أن عمت ثورة الشعب ضد الفساد والاستبداد كل أنحاء تونس ولم يجد من يؤويه، تخلى عنه الصديق والحليف وظل يحوم طوال الليل فى أجواء العالم من مالطا إلى فرنسا والإمارات وقطر فأنكره الجميع حتى تكرمت عليه السعودية بالاستضافة.
أجبر الشعب التونسى بن على على الهروب وغادر البلاد غير مأسوف عليه تطارده اللعنات ولم تشفع له كلمات الاعتذار فى خطابه الأخير والتنازلات التى قدمها، وأدرك فى النهاية أن سيف الثورة سبق العزل بعد أن حكم البلاد 23 عاما ذاق فيها التونسيون مرارة القهر والقمع والكبت، وظلوا طوال تلك الفترة يرددون سراً كلمات شاعرهم الكبير أبوالقاسم الشابى:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلى
ولابد للقيد أن ينكسر..
وبالفعل استجاب القدر وانجلى ليل «الزين»، وأشرقت شمس الثورة واستجاب القدر للشعب التونسى الشجاع الذى ضحى بدم الشهداء من أجل الحرية والانتصار على الظلم والقهر. لم تتصور السلطة الغاشمة أن دماء شهيد الثورة الشاب محمد البوعزيزى فى ساحة سيدى بوزيد هى شرارة ثورة الغضب الحمراء فى تونس الخضراء التى ستدق المسمار الأخير فى نعش الديكتاتورية الهشة التى تهاوت تحت أقدام البسطاء والفقراء والمحرومين الذين لم ترهبهم جحافل السلطة الغاشمة، واستقبلوا بصدورهم العارية رصاصات حاكم مستبد أرعبته صيحات الحناجر الهادرة والمطالبة بالحرية والعدالة ومحاكمة الفاسدين فلم يواجه مصيره المحتوم إلا بالهرب مثل سابقيه من الحكام الطغاة.
ثورة الشعب التونسى هى درس بليغ لمن يعى من باقى حكام المنطقة، فالشعوب قد تغفل وتنام عن الظلم أحياناً لكنها لا تموت أبداً مهما مرت السنون، وعندما تثور لا يقف فى طريق ثورتها حشود الاستبداد، وتفر من أمامها مثل فئران السفينة.
ما حدث فى تونس قد يكون نموذجاً للشعوب التواقة للحرية والتى عليها أن تضحى من أجل تحقيق أحلامها فى التغيير.