مظاهرات أو انتحارات، اعتراضات أو فقراء. البرلمان مرفوع من الخدمة، خال من الاهتمام والكوليسترول.. أمام حالات الاعتراض والانتحار والتظاهر اكتفى مجلس الشعب بالفرجة غالباً، والتسالى أغلب الوقت.. وبعد أن انتهى من إبداء انزعاجه عن طريق لجنة الاقتراحات والشكاوى، اعتبر أنه قدم كل ما عليه من واجبات، وانتقل إلى الجدول وجلسات الدردشة.
لا يبدو مجلس الشعب مدركاً لما يجرى، أو مشغولاً للمعرفة والإدراك. ولا يجد فى ظاهرة خطيرة مثل الانتحار والأجور والفقر والفساد مناسبة لمناقشة جادة. مع أن مجلس الشعب ضمن ماهو معلوم بالضرورة سلطة تشريعية ورقابية يفترض أن تعرف ما يجرى وتحاول الإجابة عن الأسئلة.
رأينا البرلمان يقف أو يجلس مكتوف اليدين أمام حالات الانتحار التى تكررت أمام أبوابه، واكتفى بتشديد الحراسة ومراقبة الشارع لمنع المنتحرين من إنهاء خطتهم فى الموت حرقا، وتم تزويد البوابات والحرس بأعداد إضافية من البطاطين وطفايات الحريق وأكياس الرمل لمواجهة حالات الانتحار الطارئة، ولم يبق أمامه سوى أن ينشئ محرقة طبية بالاشتراك مع وزارة الصحة تسهل عمليات الحرق أو الاعتراض وتقدم مراهم للمنتحرين. وبهذا تحول مجلس الشعب من سلطة تشريعية إلى سلطة مطافى.
لم يفكر البرلمان برئيسه ولجانه، فى عقد جلسة استماع أو مناقشة حالات الانتحار المتوالية التى يفترض أنها تمثل خطراً. فى البداية وجدها المجلس بايخة فأحال قضية انتحار المواطن عبده إلى لجنة الاقتراحات والشكاوى، باعتبار أن انتحار مواطن وحرقه لنفسه، هو مجرد شكوى أو اقتراح. بعدها توصلت اللجنة إلى أن المواطن عنده شكوى. والتزمت اللجنة والمجلس الصمت.
المجلس صمت دهرا ثم أحال موضوع الانتحار إلى اللجنة الدينية، لينقله من باب الشكاوى إلى باب الفتاوى، اللجنة الدينية مهمتها أن تبحث مدى حرمانية أو تحليل الانتحار، مع أن الأزهر والشيوخ عموماً كفوا المجلس تعب البحث وأصدروا فتاوى تحرم الانتحار. لكن نقل ملف الانتحار إلى اللجنة الدينية يحوله إلى قضية دينية بينما هو قضية اجتماعية واقتصادية تكشف عن اختلال موازين العدالة والفساد، وتكشف عن انقطاع الاتصال بين السلطة والمواطنين، مع أن الحزب الوطنى صاحب الأغلبية الغالبة وحكومته يرددون صباح مساء أقوالاً عن حالة الاستمتاع التى يعيشها الشعب المصرى مع الموبايلات والسيارات، ويعتبرون الانتحار نوعا من الترف والدلع. وأنهم يحرقون أنفسهم رغبة فى إحراج الحزب والبرلمان والحكومة.
وبين لجنة الاقتراحات والشكاوى واللجنة الدينية تاهت القضية وانشغل مجلس الشعب بتضييع الوقت فى مناقشات لا طائل منها وحتى عندما تظهر قضية جادة يحولها المجلس الموقر إلى مضحكة. والبرلمان مشغول بمعرفة هل يفترض أن تقدم الحكومة برنامجها لمجلس الشعب الآن أم بعد فترة، ويناقش السادة النواب هل البرنامج أولاً أم الحكومة أولاً، وهو خلاف ينتظر أن يستغرق وقتاً من عمر المجلس الموقر الذى لم يناقش حتى الآن أياً من القوانين والتشريعات الخاصة بالمواطنين، الموقر ليس مشغولاً بما يجرى من حوله، ولا بالمظاهرات ولا بمحروقى الدخل. لأنه برلمان للفرجة فقط. أو برلمان شو.