كيف يأتى الرد الوحيد على مطالب الناس السلمية فى شكل قنبلة دخان؟ أو قنبلة مسيلة للدموع؟ أو ضربة "شومة" على الرؤوس؟ هكذا تستجيب الدولة لصيحات "آه" التى رجت الشوارع أيام 25 و26 يناير!
وهل بمقدور قنبلة الدخان أن تشوّش الرؤية أكثر مما هى عليه الآن، ومنذ عقود؟ وهل تنجح القنابل المسيلة فى استزراف دموع المصريين أكثر من دموعهم التى سالت من الظلم، والطغيان، وضياع فرصهم فى العمل، ومباغتتهم يومياً بالغلاء، ومفاجآت القرارات الغريبة التى تلهيهم عن التفكير فى مقدراتهم السياسية؟
لقد وقف المتظاهرون أمس الأربعاء من أبناء حى "بولاق أبو العلا" حول وزارة الخارجية، فى شوارع وكالة البلح، وكورنيش النيل روض الفرج، يهتفون "سلمية"، "سلمية"، ولكن ذلك لم يمنع جنود الأمن المركزى من ضربهم بالقنابل المسيلة التى ما أن دوت طلقاتها فى الهواء، حتى اختنق هواء كورنيش النيل، بغازاتها، وصارت الرؤية عزيزة، وبدأ قائدو السيارات المسرعة على الكورنيش فى فرملة أنفسهم ومفاداة هؤلاء المتظاهرين الذين يعدون بأقصى سرعة، فى شوارع الكورنيش وهم مغمضو العيون.
وتراجع أبناء بولاق، بهتافاتهم السلمية، إلى الشوارع الداخلية، لوكالة البلح، ولم تنجح قوات الأمن فى مطاردتهم داخل هذه الشوارع، واكتفت بضرب عدة قنابل دخانية فى إثرهم، لمنعهم من مغادرة هذه الشوارع، مرة أخرى، ولكن الحقيقة أن قوات الأمن المركزى هى التى لم تستطع أن تلج هذه الشوارع، كما لم يستطع الجمل أن يلج من سم الخياط.
ما شعرت به بعد استنشاق الغازات المسيلة للدموع، وبعدما عدوت بأقصى سرعة هرباً من اختناقها، بصحبة كل من جروا، من البولاقيين، شعرت أننا جميعاً فى زمن غير الزمن، ربما فى زمن الحملة الفرنسية، وأن هذه الثورة، هى ثورة القاهرة الأولى، التى زلزلت نابليون، وأشعرته بالخطر المحدق، واضطرته لضرب أبو الهول، لإشعار المصريين بالهول، الذى يجرى فى عروقه، مما سببته ثورتهم.
أقول إن الغازات المسيلة للدموع، لم تستطع أن تجبر الشباب المصريين الذين انتفضوا أمس، أو أول أمس، على تغيير موقفهم، ولم تستطع أن ترهبهم، ودموعهم التى سالت رغماً عنهم، لم تكن جديدة عنهم، فهى نفس الدموع التى يبكونها، عندما يستوقفهم أى مسئول فاسد، ويطلب منهم رشوة، أو يصادر بضاعتهم، أو عندما يتم تعذيبهم فى الأقسام، أو حرمانهم من الخدمات الصحية، كل هذه الأشياء مما يتعرض لها المصريون يومياً، على أرض بلدهم، دموع القنابل المسيلة للدموع، هى أخف وطئاً، من دموع الظلم والاستبداد مما يلاقيه المصريون "من غير ذوى الواسطة" فى وطنهم.
باختصار، الرسالة التى وصلت المتظاهرين خلال اليومين الماضية، بخلاف التصريحات الرسمية، أن الإجابة ليست تونس، كما ظن هؤلاء الذين خرجوا، ورددوا هتافات المتظاهرين التونسيين "الشعب يريد إسقاط النظام" وإنما الإجابة كانت "قنبلة دخان".
حتى العاملين عليها "جنود الأمن المركزى" الذين أصابهم الوهن أمس، وهم يحاصرون ميداناً خالياً هو ميدان التحرير، وكذلك ضباطه، كانوا على اقتناع بهذه الإجابة، أحد مفتشى المباحث، سأل زميلى الصحفى، عن راتبه، فأجابه زميلى: ألفان جنيه؟ فتابع مفتش المباحث: وكم عمرك؟ فأجابه زميلى: 24 عاماً، فقال المفتش: أنا عمرى 50 سنة، وعندى 3 أولاد، وبأقبض ألفين جنيه، هل وصلت الرسالة؟
يقتنع مفتش المباحث أن مطالب الناس خيالية، ويتعجب لماذا يشتكون من العيشة، وهم يصرفون نصف دخلهم على السجائر، والنصف الآخر على فواتير التليفون المحمول، يقول مفتش المباحث: بذمتك، فاتورة تليفونك بتعمل كام فى الشهر؟
بالأمس استطاعت قوات الأمن أن تواجه المتظاهرين بقنابل الدموع، ونجحت فى تسيير الحركة بميدان التحرير، ولكن الله وحده يعلم، ماذا ينتظر مصر فى الأيام المقبلة، وهو وحده يعلم، إن كانت الإجابة فعلاً تونس؟ أم قنبلة دخان!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة