طالب الرئيسُ المصرى حسنى مبارك الشعبَ المصرى، مجتمعًا، بالوقوف فى وجه الإرهاب الذى استهدف تفجير كنيسة «القديسيْن» بالإسكندرية ليلة الجمعة وأسفر عن سقوط عشرات القتلى والمصابين، ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط أن الرئيس «يهيب بأبناء مصر، أقباطًا ومسلمين، أن يقفوا صفًّا واحدًا فى مواجهة قوى الإرهاب والمتربصين بأمن الوطن واستقراره ووحدة أبنائه».
لا أحد فى مصر سيفيد إن اشتعلت النيران التى بدت نذرها فى الأفق منذ العام الماضى، لأنها، إن تأججت، ستطال الأخضرَ واليابسَ، فالأحزمة الناسفة ليس لها قلبٌ ولا عقل يميز بين مسلم ومسيحى، بين شاب وطفل وشيخ، بين رجل وامرأة، وكذلك لا أحد سيفيد إن جمّلنا الكارثةَ واخترنا لها اسمًا هادئًا أنيقًا، لذلك أسألُ: هل مفردة «إرهاب» تصفُ الحادثة المروعة تلك بدقّة، كما قال الرئيس؟ أم هو «إرهابٌ طائفى»؟ ذلك أن المسلم الانتحارى الذى ارتدى حزامًا ناسفًا، سواء كان مصريًّا أم عربيًّا، كان ينوى أن يفجره فى صدر مسيحى، وقد فعل، كلنا نكره هذه المفردة القبيحة: «طائفية»، ونفضّل عليها أن يكون إرهابًا خارجيًّا مائة بالمائة، كى نريح ضمائرنا، لذلك اندفع المسلمون الشرفاء لمساندة المصابين من إخوانهم المسيحيين والتبرع لهم بالدماء، لكن، مع هذا، تظل تسمية الأشياء بأسمائها، مهما تكن قاسية، هى الخطوة الأولى نحو العلاج، إن كنا بالفعل نريد أن نعالج أخطر الظواهر الجديدة إيلامًا فى مصر.. الفتنة الطائفية.
السيد محافظ الجيزة أعطى إشارة الهجوم المسلح لإيقاف العمل بكنيسة العمرانية، وكان يستطيع أن يترجّل حتى موقع العمل ليناقش أولى الأمر، نظرًا لحساسية الحال، وكانوا سينصاعون، ونتجنب الرصاص الحى والقتلى والمظاهرات والفتن.. وزير الداخلية كان يستطيع أن يلتقى البابا شنودة، مثلما التقاه الرئيس مبارك، بعد الأزمة، ليجنّبوا عمومَ بسطاء المسيحيين والمسلمين مواجهات وملاسنات واحتقانات واتهامات تهدم ولا ترأبُ صدعا، ذلك الصدع الذى لا خاسر فيه سوى الوطن، السيد محافظ الجيزة، أو سواه، فتح الباب لأحداثٍ، أصلّى لله ألا تستمر، كيلا نخسر استقرار مصر أكثر.. ذلك الوطن الذى لم تتغير ملامحُ حدوده منذ بداية التاريخ، صحيح أن بُعدًا سياسيًّا قد يتدخل فى قراءة مجزرة كنيسة الإسكندرية، ذاك المتعلق بتهديدات القاعدة، التى بدأت فى العراق ثم امتدت إلى مصر، لكن أى منصف لا يستطيع أن ينكر أن تمهيد الأرض لدخول القاعدة، لو صحّ الأمر، عن طريق حرثها وريِّها ونثر البذور، هو صناعتنا نحن، لأننا فى لحظة تاريخية أرخينا فيها الحبل للمتشددين والمنحرفين والعميان، غير عابئين بمصلحة الوطن الذى يقف على شفا هاوية. وإلا فليقل لى أحدٌ: لماذا تم الهجوم على كنيسة العمرانية قبل أيام من انتخابات مجلس الشعب، والتى كانت النيةُ منعقدة قبلها لإقصاء الإخوان المسلمين؟ محض مصادفة؟ أم هى وسيلة لامتصاص الغضب المتوقع من قطاعات الشعب المتعاطفة مع الإخوان لأسباب سيكولوجية واقتصادية وتاريخية نعلمها؟ ثم، أين الإجراءات الأمنية الوقائية التى كان من المفروض اتباعها، فى ظل تهديد القاعدة، وفى ظل شواهد كثيرة تحدسُ بأن عملاً إجراميًّا يلوح فى الأفق؟ لا سيما وقد تلقينا درسًا قاسيًّا فى 7 يناير 2010 فى نجع حمادى، ألا يستحق الحدث تفسيرًا من وزارة الداخلية؟ ألا تستحق الأرواح التى أزهقت: فى نجع حمادى والعمرانية والكشح والإسكندرية أن تستقيل الحكومةُ بكاملها؟.. إلى متى نمضى فى تجميل الأحداث على حساب مصر، وأقليّات مصر، وأكثريتها كذلك؟.
ضجرنا من ترديد كلام محفوظ مكرر، بدأ يفقد معناه، إن المصريين نسيجٌ واحد لشعب واحد، ثاروا معًا فى 1919، وحاربوا معًا فى 1973، وامتزجت دماؤهم المسلمة بدمائهم المسيحية فى كل المحن التى مرّت بها مصر، كل هذا حق لا مراء فيه، لكنه حقٌ يُراد به ويلٌ ودمار، إذ علينا أن نبحث بحسم عن الأسباب التى أزّمت العلاقة الرفيعة التى كانت تربط المسلمين بالمسيحيين فى بلادنا. لماذا «أصبح» المصرى المسلم «الراهن» يستكثر على المصرىِّ المسيحى بناء دار عبادته؟! ويقضى نهاره وليله فى حساب نسبة عدد الكنائس إلى عدد المسيحيين! ويُضاهى بعضهم، بكل غباء، صعوبة بناء كنائس فى مصر، بصعوبة بناء مساجد فى أوروبا! دون وعى بأنه كمَن يقارن بين قطارٍ وعمود إنارة! إذْ يقارن بين حق مواطن، وحق وافد أجنبى! أقباطُ مصر مواطنون مصريون، لا يُمنُّ عليهم بحقوقهم الأصيلة، بينما مسلمو أوروبا فى معظمهم وافدون أجانب، وهو ما جعل المسيحىَّ المصرى يشكّ بأن خيرًا سيأتيه من هذا الوطن الذى ينتمى إليه ويقصُّ له الضرائبَ من منبع راتبه، ابحثوا عن الأسباب التى جعلت هذا الشعب العريق ينقسم على نفسه، لدرجة أن شيخًا يرى أن المسلم الأفغانىّ له حقُّ بمصر أكثر من المسيحى المصرى! فى حين يفتى آخرُ بأن «كل سنة وأنت طيب» حرامٌ أن يقولها مسلمٌ لمسيحى فى عيده!!! ابحثوا فى ضوء أن الشظايا التى انفجرت فى وجه الكنيسة لم تفرق بين مسيحى ومسلم، لأن الشظايا عادلةٌ لا تميّز طائفيًّا، لا تحفظ الوجوه، ولا تنفجر حسب العقيدة!
عفوًا سيدى الرئيس، انفجارات ليلة رأس السنة ليست مجرد إرهاب، بل إرهاب طائفى، بدأت صناعته منذ 35 عامًا، حين فتح نظام الرئيس السادات الباب مشرعًا أمام الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية والوهابيين، فقط لكى يضرب الناصريين والشيوعيين، وتطوّرت صناعةُ الإرهاب باستخدام كنيسة العمرانية لتخفيف التعاطف المتوقع مع الإخوان المسلمين، الذين قررت «الانتخابات» إقصاءهم من البرلمان، فى حين أن أى عابر سبيل فى مصر يعرف أن للجماعة ثقلاً جماهيريًّا مهولاً، وأن هذا «الصفر» العبثىّ صناعةٌ «وطنية» بامتياز، مصرُ تحتضرُ يا سيادة الرئيس، وليس أقلّ من مواساتها بقيام الأزهر بصلاة جماعية على روح شهداء الإسكندرية، ولتكن هديتُك لمسيحيى مصر الحزانى فى العام الجديد، المُنذِر بالويل، هى تفعيلُ قانون موحد لدور العبادة، ليس أقلّ من هذا يا ريّس.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د/ نبيل
مقالة محترمة
مقالة محترمة من كاتبة محترمة اكثر الله من امثالك