هو الظلم يا صديقى، يظلل جباهنا جميعا بوطأته القاتمة العمياء، هو القهر يا صديقى يجمعنا فنفترق، ويوخذنا فنتألم، ويحرمنا فنرفع أكف الضراعة إلى الخالق الجبار، دمعتك تسقط فى عينى، فلا أدرى أهى دمعتك أم دمعتى، رعشتك ترهب القلب فيقشعر البدن وتنتفض الحواس، آهتك تسكن الضلوع فتملأ الصدر حسرة وأنين، أنت مظلوم وأنا كذلك، أنت محروم من العيش آمنا فى وطنك، وأنا كذلك، أنت مصرى وأنا كذلك، لكنى أجد نفسى محرجا من أن أمد يدى إليك بالسلام، أو أن أبتسم فى وجهك خشية أن تأول ابتسامتى على غير مقصدها، أنا "محرج" منك يا صديقى لأن من سرقوا عيدنا وحولوه إلى مأتم كبير يقولون عن أنفسهم إنهم مسلمون، رغم أن الإسلام برىء من دناءتهم وخستهم وشناعتهم، أنا محرج منك يا صديقى لأن سارقى الفرح يقبعون فى بيوتنا ويأكلون على مائدتنا، وفجأة ينقلبون إلى شياطين يزرعون الخراب فى الأعياد والحزن فى القلوب، والفتنة فى الأوطان، أنا أسف يا صديقى، وأرجو أن تتقبل قبلتى على جبينك، ويدى فى يدك وابتسامتى فى وجهك، فما جمعه الله فى آلاف السنين من المستحيل أن تفرقه حفنة من الجبناء الأخساء.
قل لى يا صديقى أنك لست محتاجا إلى أن أثبت لك أننا أخوة أحباء، قل أنك حزين مثلى، وأنى حزين مثلك، وأن الحزن ضمنا فزادت محبتنا، قل لى إن مصر بلدك كما هى بلدى وإن ظالمنا واحد، وسارق فرحتنا واحد، وإليك يا صديقى بعض ما حدث معى بعد الاعتداء الإرهابى على كنيسة القديسين، فللأسف بحكم مهنتى وصلنى خبر التفجيرات بعد وقوعه بدقائق، فلم أستوعب الفكرة وظننت أنها شائعة لترويع المحتفلين برأس السنة، دقائق أخرى وتأكد الخبر، ولأنى لم أنم إلا بصعوبة بالغة استيقظت متأخرا على هاتف صديقى "النقى" الكاتب محمد فتحى، وكعادة فتحى دائما بدا كلامه محملا بالأوجاع والحسرة على هذا البلد، لكن حزنه لم يمنعه فى أن يفكر فى طريقة نخرج بها من هذه الأزمة العاصفة، وما هى إلا لحظات من النقاش حتى اتفقنا على أن نكون أكثر إيجابية، ونحاول أن نساهم فى إزالة آثار الأزمة، فقلنا إننا سنجمع أفكارا من المثقفين حول الحلول المقترحة لكى نتجنب حدوث مثل هذه الحوادث المفجعة، وأن يرعى "اليوم السابع" هذه المبادرة، وأن يقوم بدور الوسيط فى تجميعها وعرضها ومحاولة تنفيذها ومحاسبة المسئولين إذا قصروا فى التنفيذ، فكرة بسيطة أخمدت بعضا من نيران الغضب بداخلنا، وعلى الفيس بوك كانت معظم صفحات أصدقائى مطعمة بالهلال والصليب، منددة بخسة الإرهاب ووضاعة الإرهابيين، وعلى صفحة صديقى الصحفى سيد محمود قرأت دعوة لحضور قداس عيد الميلاد لنكون بجوار أخواننا إذا ما أصابهم مكروه، فكتبت متحمسا على صفحتى "يا نعيش سوا يا نموت سوا" واتصل بى صديقى الناشر محمد هاشم مشددا على أن نتقابل بمقر دار ميريت، وحينما تقابلنا وجدت بالدار نخبة من ألمع مثقفى مصر منهم نبيل عبد الفتاح والمخرج مجدى أحمد على والفنان لطفى لبيب والروائى أشرف عبد الشافى والكاتب محمد رفاعى والمخرج محسن حلمى والشاعر إبراهيم داوود ومحمد خير ورامى يحيى والممثل أحمد مجدى، وغيرهم كثيرون، واتفقنا على عمل وقفة حداد تضامنية من مثقفى مصر يشارك فيها عشرات من كبار المثقفين ليعلنوا غضبهم مما حدث ولنتشارك جميعا فى الألم والمواساة، وفى اليوم التالى وجدت ساقية الصاوى تعلن عن مبادرة تحت شعار "يا نعيش سوا يا نموت سوا"، ووجدت أن فكرة مشاركة أقباط مصر فى عيد الميلاد ووقوف المسلمين كدروع بشرية لإخوانهم قد شاعت وأصبحت واقعا، واتفق معظم الشعب المصرى على المحبة التى كانت قد توارت قليلا.
هل ابتسم قلبك يا صديقى حينما وجدت أن المسلمين مثلك تماما فى الحزن والانكسار؟ إن كنت قد لم تبتسم فاحتفظ بوجهك كما هو، وإن كنت ابتسمت فخفف من انفعالك، فما حدث سيطفئ بسمتك إلى حين، فقبل وقفة المثقفين بساعات احتلت قوات الأمن ميدان طلعت حرب، ومع بداية توافد المثقفين على الميدان بدأت مضايقات الشرطة، وكانت التعليمات واضحة "مفيش وقفات" لكن المثقفين لم ييأسوا، ومع تزايد أعداد الكتاب والمبدعين تزايدت مرات الاستفزاز والمضايقات التى وصلت إلى أن حاول أحد أفراد الأمن الاعتداء على الكاتب الكبير بهاء طاهر لإجباره على ترك ميدان طلعت حرب، ما هى إلا دقائق حتى تفرق المثقفون، وانضم إلى الوقفة بعض المتاجرين عاشقى الشو الإعلامى والهتيفة، وهكذا وأد الأمن وقفة كان من الممكن أن تساهم فى إزالة آثار الدماء من على وجه مصر، وأن تبرز وجه مصر المنير.
أعرفت يا صديقى أننا شعب واحد، وأننا مظلومون جميعا، مغدورون جميعا، مذعورون جميعا، ظلمك وظلمنى من حرم مصر من وجهها المنير، وظلمك وظلمنى من زور الانتخابات، وظلمك وظلمنى من حمى البلطجية واستقوى بأرباب السوابق، وظلمك وظلمنى من تستر على المجرمين، وظلمك وظلمنى من سمح للمتطرفين بالانتشار فى بيوتنا وغرف نومنا، وظلمك وظلمنى من تدفأ على نار الفتنة وتاجر بها فى السراء والضراء، وظلمك وظلمنى من قبض على عنق مصر ولعب بالبيضة والحجر ليبقى الوضع متأججا معتمدا على مبدأ فرق تسد، أنت غضبان يا صديقى وأنا كذلك، لكننا سمحنا للظالمين بأن يتمادوا فى ظلمهم ويستمروا فى غيهم، فوفر غضبك لمن يستحق، ولك منى إلى هذا الحين قبلة على جبينك المصرى الغالى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة