يسرى الفخرانى

إسكندريتى التى قتلوها!

السبت، 08 يناير 2011 08:37 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعرف الإسكندرية وأكثر.. فأنا المولود فيها، هذا بحرها وهذه حواريها وأزقتها، هذه العطارين، وكوم الدكة، والأنفوشى، والإبراهيمية، والأزاريطة، والنبى دانيال، محرم بك، وباكوس، وسيدى بشر، واستانلى، هذه ذكرياتى وهذه أيامى، هذه الأعياد وبدايات الأعوام، نواتها حين تشتد بمطر وعواصف وبرد، فناجين قهوتنا على البحر، وسنانير الأحد تصطاد، وأغنيات تأتى من خلف أبواب مغلقة، كأنه سيد درويش مازال عاشقا، لاتتغير الإسكندرية.. أعرف، ففى كل غياب تفاجئنى على عتبتها أنها مازالت سيدة البحر، ولو كان فى العينين بقايا حزن أو مسحة زمن، هى بكل طيبتها وسماحتها، لم يرهقها زحام لاتحتمله بشوارعها الضيقة، لم ترفع لافتات تشجب وتمنع دخول الغرباء، كيف وهى المدينة التى عاشت عمرها تجعل من كل اللهجات والثقافات عصير حضاراتها، لاتنسى مدينة هذا بحرها.. تاريخها العميق من التسامح النبيل، ولاتخلع ثوبها المنقوش بكل اللغات دليلا على رقيها وتقدمها وعلمها الكبير، هذه إسكندريتى فكيف أجهلها، كيف ومازالت لاتغمض عينيها عن كل حضارات الدنيا، كيف يحاول البعض أن يشرح لى الإسكندرية بشكل مختلف عن نصف عمرى الذى قضيته هناك، ونصف عمرى الذى أذهب فيه مشتاقا لها أكاد أذوب فى طرقها ونوافذها وكل شجرة عابرة بى، أعرفها.. أن ناسها هم أروع مافيها، أصحاب مزاج رائق ولو تعكر، فنانون ينسجون من البحر دائما عرائس ملونة تؤنس وحدتهم، جدعان ومثقفين وأولاد بلد يجرون على أكل عيشهم بكا وصبر وهمة. متسامحون إلى حد البراءة، لايسألون أحدا من أين جئت، ولا فى أى وقت يصلى، الكل يصلى، والجميع يرفع يديه لإله واحد، لكل البيوت سقف ترتفع منه الدعوات، الأحد إجازة والجمعة إجازة وللأعياد كلها طقوس فرحة، فى كل يوم جمعة ساعة صلاة يغلق فيها المسيحى بابه احتراما لحصيرة صلاة ممتدة من مسجد أمامه، وكل ماأذكره ومازلت أظنه أنه كانت هناك مناوشات لذيذة بين أبى وجارنا، بين مسلم ومسيحى، نكتة بطلها قسيس يرد عليها بنكتة بطلها شيخ تنتهى ببسملة معانا، طبق واحد وعشرة أصابع، إسكندرية لاتتغير، ولو غيروها فى الجزيرة أو البى بى سى، لاتعرف مصطلحا دمويا غليظا فجا اسمه الاحتقان الطائفى، أعوذ بالله.. ومنه لله من أخرج هذا المصطلح ثقيل القلب من حبره، هذه الإسكندرية التى فى نشرات الأخبار من اختراع بشر لم يعرفوها، لم يأكلوا «فول وفلافل» عند محمد أحمد، ولم يحبسوا بشاى فى التجارية أو فى مقهى عم جرجس فى غيط العنب !

إسكندرية ياجدعان، مدينة بألف بلد، بنت نكتة، وبنت أصول، وبنت ناس، وبنت علم، لاتليق بها أوصاف الفتنة الطائفية والشحن بين مسلم ومسيحى، إسكندرية صينية الكعك فى العيد الصغير من إيد الست أنصاف، والأرز بلبن من إيد الست أمينة فى فطار أول السنة.
إسكندرية.. ليلة رأس السنة، ليلة تشمل الجميع، وتفرح قلب الجميع.
هذه إسكندريتى التى يلخبطون حروفها، ويشخبطون على حاضرها من أجل أن تصبح خبرا كاذبا فى نشرات الأخبار. > >









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة