زينب عبداللاه

لن يحيا الهلال أو الصليب

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011 09:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تندهش حين تقرأ هذا العنوان الذى تعودنا أن نهتف بعكسه فى أصعب المحن والأزمات، حين تسيل دماؤنا وتختلط معا فى مواجهة عدو واحد، سواء كان مستعمرا أو حاكما ظالما، فنهتف معا "يحيا الهلال مع الصليب"، أما اليوم فقد اتسعت الرقع والثقوب التى أصابت نسيج الوطن الواحد، حتى وصلت إلى آخر مداها، بل يمكن ألا يكون ما حدث مساء الأحد أمام ماسبيرو هو آخر مداها، وقد يكون بداية لسلسلة جحيم تحرق الهلال والصليب معا، طالما بقى الوضع كما هو عليه، أو زاد ليصبح أسوأ، مما هو عليه.

وطالما أننا نعالج أخطر الأزمات التى يمكن أن تقضى علينا جميعا بسياسة تطييب الخواطر وتقبيل اللحى والحلول العرفية، وطالما أن كل هذه الحوادث سواء أحداث أطفيح أو إمبابة أو غيرها مما سالت فيها الدماء، وكثرت فيها الوعود، بحلول قانونية وتحقيقات عادلة ومحاسبة مثيرى الفتنة تمر كلها دون حساب لمن يتجاوز القانون ويثير الفتنة، ولا نتذكر هذه الوعود إلا حين تحل بنا كارثة أكبر، وهكذا إلى أن يشتعل الوطن ويحترق الهلال والصليب معا.

لن يحيا الهلال أو الصليب طالما أن هناك رجالا بزى الكهنوت أو بعمامات المشايخ، يخفون وراء هذا الزى سم الأفاعى يبثونه فى نفوس أبناء الوطن مسلمين ومسيحيين، يشعلون الفتنة بأحاديثهم وأفعالهم، بل ويقودونها حتى تسيل بين أياديهم وأمام عيونهم دماء أبناء وطنهم ودماء أبناء دينهم، فلا يزيدهم هذا إلا عطشا لمزيد من الدماء والنيران.

لن يحيا الهلال أو الصليب طالما أن من يحكمون لا يطبقون القانون على من يخطئ، ولا يعلنون الحقائق، ولا ينفذون ما يعدون به، ولا يدركون أن مصر لن يكسرها إلا أن يتقاتل هلالها وصليبها، لن يحيا الهلال أو الصليب طالما أن هناك من يرفع صليبا فى مظاهرة يطالب فيها بحقوقه، ثم يستخدم هذا الصليب ليضرب به جنديا بسيطا يقف لينفذ أوامر ويحمى أمن الوطن والمواطن، أو ليحرق مدرعة أو سيارة، لن يحيا الهلال والصليب طالما أن هناك من يتاجر بآلام الوطن، ليحقق مكاسب وغنائم سياسية، فيتلون حديثه حسب كل موقف وطبقا لمصالحه، يرى الأحداث ويصفها بعين مصلحته، وليس بعين الحقيقة، فتستمع إلى عشرات الروايات المتضادة حول الحدث الواحد، لأن من يرويها يكذب أو ينافق أويجامل أو يزايد، ليحرز أهدافا سياسية، وهكذا الحال فى كل الحوادث الطائفية التى لن تستمع فيها إلا لروايات متناقضة، فتتوه الحقائق وتختلف طبقا لمن يرويها، ولعل هذا هو ما جعل التغطيات الإعلامية لكل الحوادث الطائفية خاصة أحداث ماسبيرو الدامية تختلف بين القنوات والصحف والكتاب والمتفلسفين والمتنطعين.

لن يحيا الهلال أو الصليب إذا كان المتظاهرون الأقباط – كما أشارت بعض الشهادات – هم من بدأوا فى الاعتداء على الجنود وحرق السيارات والمدرعات دون أن يتم إلقاء القبض عليهم أو على غيرهم ممن أشارت بعض الروايات أنهم كانوا يطلقون النار على الجنود والمتظاهرين، لإثارة الجانبين، كما لن يحيا الهلال أو الصليب إن كانت قوات الجيش والشرطة لم تتحل بالحكمة وضبط النفس واعتدت على المتظاهرين، وأطلقت النيران عليهم أو حاولت دهسهم بمدرعاتها، ولن يحيا الهلال أو الصليب، إذا تسببت كل هذه الأحداث فى إثارة مشاعر بعض الأهالى الذين انحازوا للجيش واشتبكوا مع الأقباط المشحونين.

لن يحيا الهلال أو الصليب طالما لم يتحرك أى من القيادات السياسية والدينية التى نظنها أهلا للحكمة، لتنزل إلى موقع الأحداث فى محاولة لوقف حمام الدم المصرى الذى استمر ينزف ساعات طويلة، يتزايد خلالها أعداد القتلى والمصابين بينما يقوم مرشحو الرئاسة المحتملين وقادة القوى السياسية والفكرية والحزبية والدينية والإعلامية والباذنجانية بجولات مكوكية على مختلف القنوات الفضائية، يناشدون ويعظون ويحذرون ويتفلسفون ويتحذلقون، وكل منهم يجلس على أريكة فى بيته، رغم أن أيهم لو علم بوجود ابنه أو ابنته فى موقع الأحداث لجرى لاهثا فى محاولة لإنقاذه أو إنقاذها، ولكنهم بكل أريحية أعلنوا أنهم سيجتمعون فى اليوم التالى ليصدروا بيانا حول الأحداث ضمن عشرات البيانات التى لم تعد تساوى ثمن الورق الذى كتبت عليه، كان الأجدى بهؤلاء إن كانوا حقا يتألمون لنزيف الدم المصرى أن يجتمعوا فى أول ساعة علموا بها بهذه المذبحة، لينزلوا إلى موقع الحدث، لتتشابك أياديهم معا، ويشكلون حاجزا ودرعا بشريا بين الجنود والمتظاهرين فيحقنون دماء كلا الطرفين، لن يحيا الهلال أو الصليب إذا كان البابا شنودة وشيخ الأزهر لم يؤرق أى منهما حمام الدم الذى سال، بينما ترتفع الصيحات والنداءات التى تدعو كل منهما للظهور ودعوة المتظاهرين للعودة إلى بيوتهم درءا للفتنة وحقنا للدماء فى وقت اختلط فيه الحابل بالنابل، والمتظاهرين بالبلطجية وفلول النظام.

أعتقد أنه لو نزل كل من البابا شنودة وشيخ الأزهر معا إلى موقع المذبحة فى الساعات الأولى للأحداث، ووجه كل منهم كلمة للمتناحرين، لقلت أعداد القتلى والمصابين بشكل كبير، وما تفاقمت الأحداث إلى هذا الحد، فتلك الأحداث لن يحلها اجتماع لبيت العائلة يغيب عنه وبشكل دائم أحد كبراء العائلة، وهو البابا شنودة الذى لم يحضر أى من هذه الاجتماعات.

ولنتأكد جميعا أنه لا حياة للهلال أو الصليب إذا بقى الوضع كما هو عليه، فهل يحيا الهلال مع الصليب أم يهلك الاثنين معا؟








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة