رأيت فيمن رأى، جيشا يدهس أبنائه تحت عجلاته ثم يعلن قائده إنه أدى المهمة بمعنويات عالية، رأيت تلفزيونا يزور الحقيقة على مدار ثلاثة أيام كاملة يغرز فى مشاهديه حُقن الشحن الطائفى، ثم يأتى وزير إعلامه ويعلن "لا قتلى بين صفوف الجيش والأقباط لم يطلقوا النار، والمذيعين كانوا منفعلين، رأيت أيضا دروسا فى التغطية الطائفية ينفرد بها تلفزيوننا الموقر حين يسمح لجندى أن يقول "مسيحيين ولاد..."، فى تلفزيون الدولة وكأنه يعبر عن سياسة دولة لا تستحى اضطهاد شعبها، ثم يهل علينا مذيع آخر من خيبات عصر مبارك يعتذر لنا عما صدر من الجندى، تماما كما اعتذر رئيس وزرائه عن قتلى ماسبيرو وكأنهم خطأ مطبعى.
رأيت للمرة السابعة.. الثامنة.. العاشرة ربما.. أما تصرخ بكل آلام الوطن وقسوته وقبحه وعهره وهى تودع أبنها الشهيد، ورأيت أيضا سائق تاكسى قادنى حظى العاثر للركوب معه يسألنى بلهفة "هيا الجماعات الإسلامية مش هتعمل حاجة مع الجماعة المسيحيين دول؟".
رأيت أيضا من يسأل فى الإفتاء التلفزيونى بقبح مباغت هل التبرع بالدم للمسيحيين حلال؟ ورأيت شيخا يجيب بـ"حلال" ولا يلوم السائل، وهما شريكان فى طائفية الوطن وابتزازه.
رأيت من يصر على لوم الأقباط رغما عنه وهو يحاول أن يجد مبررا واهيا لجندى أهوج استحل أجسادهم تحت عجلات مدرعته، بكل ما تعلمه فى الماضى من دروس دينية خانقة، خلقت لنا متطرفا مثله، رأيت فتاة قابلتها فى حادث طائفى سابق تكتب على صفحتى وتذكرنى "ها نحن اليوم نلتقى فى حادث جديد".
ورأيت من يتاجر بالدم فى موسمه الانتخابى الذى اقترب، وينقلب على كل آرائه القديمة التى قال فيها إن الكنائس مليئة بالسلاح، ويطالب ببناء مزيد منها، رأيت قلة تصرخ بغضب فى وجه كل هذا التطرف، فلا تجد إلا من يردها خائبة، رأيت وطنا يسلب منا للمرة المائة دون أدنى رغبة فى التفاؤل باستعادته من جديد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة