بالنسبة لى فإن العبارات التى على شاكلة «الوقيعة بين الجيش والشعب» تبدو كالفزاعات التى يريد قائلوها أن يستفزوا بها أهالينا البسطاء فى البيوت، وفى الحقيقة هم يترنمون بهذه الفزاعات كلما اعترض أحد على سياسة المجلس العسكرى، وفى هذه الحالة فقط أشعر بأنى أمام جيشين، أحدهما أحبه، والآخر أجهله وأستنكر أفعاله، وفى الظروف العادية لا يضطر الواحد إلى الفصل بين هذه الأفعال، ليحدد موقفه منها، لكن لأن النوايا لم تعد صادقة، فسأضطر إلى الفصل بين ما اعتبره جيشنا الحقيقى الذى أحبه، وذلك الآخر الذى أستكرهه.
جيشنا الذى أحبه هو الذى يضم بين أبنائه «عبدالعاطى» صائد الدبابات فى حرب أكتوبر الخالدة، الذى مات منذ سنوات قليلة مصابا بفيروس سى، مثله مثل أى فلاح بسيط، ويضم الربان عمرو البتانونى أحد أبطال عملية تفجير المدمرتين الإسرائيليتين «بيت شيفع وبيت يم»، لا ذلك الذى يضم صاحب رشوة مرسيدس الذى لم يراع ضميره واستسهل أكل مال الشعب بالرشوة والسرقة هو وزوجته.
جيشنا الذى أحبه هو الذى يضم الشهيد عبدالمنعم رياض الذى عاش مقاتلا واستشهد على ما عاش عليه، لا ذلك الذى يضم اللواء سيد مشعل وزير للإنتاج الحربى السابق الذى كان يفوز بعضوية مجلس العشب بالتزوير وشراء الأصوات، وجيشنا الذى أحبه هو ذلك الذى يضم المشير أبو غزالة الذى آلمه مشهد رجوع أخواتنا من العراق قتلى وراح إلى مبارك ليقول له: لازم نعمل حاجة لأولادنا اللى فى العراق اللى كل شوية يرجعوا فى صناديق، لا الذى يضم مبارك نفسه الذى رد على أبوغزالة بمنتهى الوضاعة والخسة قائلا: الحق عليهم إيه اللى بيوديهم، رغم أنه يعلم أنهم لم يكونوا ليفارقوا بلدهم إلا تحت ضغط الحاجة والفقر، وجيشنا الذى أحبه هو الذى يضم اللواء الشاذلى صاحب البطولات المجيدة، والحياة البائسة، الذى خطط ونفذ وقاتل فى حرب أكتوبر وعاش طريدا شريدا منفيا، لا الذى يضم مبارك الذى أذلنا بالضربة الجوية طيلة ثلاثين عاما مفسدا وفاسدا.
جيشنا الذى أحبه هو الذى هتفنا له فى الميدان: الشرطة بتضرب فينا عايزين الجيش يحمينا، لا الذى هتف ضده طلبة كلية إعلام بعد أن ضربهم بعض أفراده جزاء اعتراضهم على العميد السابق سامى عبدالعزيز: الشرطة العسكرية زيها زى الداخلية، جيشنا الذى نحبه هو الذى قبض على لصوص المتحف المصرى، لا الذى عذب النشطاء والثوار فى المتحف المصرى، جيشنا الذى أحبه هو الذى حمى البنات من الاغتصاب والخطف، لا الذى انتهك آدمية البنات وأجرى لهن كشف عذرية، جيشنا الذى أحبه هو الذى يضم جنودنا البواسل الذين استشهدوا على الحدود بأيدى القوات الإسرائيلية، لا الذى فرض الطوارئ وأحال المدنيين إلى محاكمات عسكرية ليلة اقتحام السفارة الإسرائيلية اعتراضا على قتل إخوتهم على الحدود، جيشنا الذى أحبه هو الذى يضم الضابط البطل ماجد بولس أسد الميدان الذى دافع عن إخوته عند شارع طلعت حرب فى موقعة الجمل، لا الذى يضم ذلك الضابط الذى فتح الطريق أمام بلطجية مبارك عند مدخل عبدالمنعم رياض فى موقعة الجمل.
جيشنا الذى أحبه بشر مثلنا يحبون بلدهم، لا آلهة متجبرين، وجيشنا منا ولنا مثل أى مؤسسة مصرية وطنية، نحبه حينما تثبت لنا جدارته وأهليته، ونغضب من بعض أفراده حينما ينقلبون على ما عاهدناهم عليه، فلا تخلطوا بين الأفراد والمؤسسات، ولا تخترعوا الفزاعات والبلالين وتنفخوا فيها لكى لا تنفجر فى وجوهنا جميعا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة