هل يمكن أن أتعاطف أو تتعاطف أنت مع الدكتور عصام شرف؟، هل يمكن أن تقتنع بأنه مغلوب على أمره.. ويبحث عمن ينصره؟، هل يمكن أن توافق على براءته من كل الارتباك الحاصل فى أداء حكومته وفى بلاط الحياة السياسية عموما؟ هل رحيل عصام شرف مطلب غير عادل؟
إنسانيا.. ربما يكون الأمر جائزا بسبب ملامح الرجل الطيبة والمستكينة، والوضع الصعب الذى تعيشه البلد، وبالتالى يغرق فيه أى كرسى حكومى، ولكن على المستوى السياسى يصبح التعاطف مع الدكتور شرف أمراً مستحيلاً، ليس فقط لأنه فشل فى أن يقود حكومة تنبض بنفس حماس الثورة، وليس فقط لأنه فشل فى ضبط إيقاع وزارة الداخلية، أو لأنه لم ينجح فى الحفاظ على حقوق الشهداء والمصابين، أو لأنه كان مجرد حقنة مسكنة ضربها لنا المجلس العسكرى فى العضل لكى تستقر له الأمور.. ولكن لأنه كان شريكاً فى تلك اللعبة التى أرادوا بها الالتفاف على مطالب الثورة، أو الالتفاف حول عنق الثورة نفسها، وخنقها حتى تموت.. شريكا بالصمت أو التواطؤ أو بالفعل.
أنا لا أصدق تلك الحدوتة الطيبة التى تقول بأن الدكتور شرف مغلول اليد، وغير قادر على اتخاذ القرار بسبب قوى ما، تعيقه عن أداء عمله، لأن صدق تلك الحدوتة لا يعنى سوى أن الدكتور شرف ارتضى المنصب فى مقابل أن يصبح خيال مآتة، أو أنه شخص لا يجيد تقدير حجم قوته، ولأنه إذا كان مغلول اليد كما يقولون، يستطيع أن يهدم المعبد، ويقدم استقالته، ويفضح تلك الأيدى التى كانت تمنعه من العمل ومناصرة تلك الثورة التى يشاهدها مبارك الآن بشماتة من خلف ستائر غرفته بالمركز الطبى العالمى وهى تترنح.
أزمة الدكتور شرف يمكن تقسيمها إلى شطرين.. الأول يخص شباب الائتلافات الذين أصبحوا أكثر من الهم على القلب، وأكثر خواء وفراغا من تجويف مواسير الغاز التى توقفت بعد التفجيرات، حينما خيّلوا للناس أن نزول عصام شرف إلى الميدان أمر كاف بتغييره أو تطهيره من السنوات الطويلة التى عاشها فى حضن النظام السابق وزيراً وقيادياً نصف بارز فى الحزب الوطنى، صكوك التطهير التى ظن الشباب أنهم يحملونها، شكلت خطراً مضاعفاً على تلك الثورة، بسبب تحويلها كثيرا من شباب الائتلافات إلى أنصاف آلهة، تظن أنها تملك الحلول، فإذا بهم يكتشفون أن جلوس عصام شرف على أكتافهم فى الميدان، لم يكن من أجل الاحتفال بقدر ما كان تجسيداً لفكرة الركوب، التى اعتدناها مع النظام السابق، ويكتشفون مع ذلك ونكتشف نحن أنهم غير قادرين على تقديم أكثر مما تم تقديمه من هتافات ساخنة.. ولكن هذا الوقت لم يعد وقت الهتاف.
أما الشطر الثانى من الأزمة فيخص الدكتور عصام شرف نفسه الذى تخيل أن نزوله إلى الميدان، وإلقاء خطب وتصريحات بنفس صيغة هتافات التحرير وميادين الثورة، أمر كاف لأن يخدر الناس عن المطالب والأحلام التى أقر بتحقيقها، قبل أن يقوم بدراسة فرص وتوقيت تنفيذها على أرض الواقع، ولما شعر بصعوبة موقفه، اختار الملاوعة السياسية، ومسارات اللف والدوران بديلاً للشفافية التى توقع الناس أنه من أنصارها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة