لقد مللنا من تكرار ترنمنا بالمثل القائل: «أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب»، ولا يخفى على أحد أن الـ«ك» فى كلمتى «كلامك» و«أمورك» تشير إلى سيادة المجلس العسكرى فى الأعالى، ويتكرر الموقف مرارا وتكرار، المجلس يتكلم ونحن نستعجب. وقديما قالوا «إن التكرار يعمل الشطار»، لكن على ما يبدو أن المجلس العسكرى لا يريد أن يتعلم، ولا توجد لديه نية أصلا للتعلم، ولا لتنفيذ وعوده المعسولة بحماية الثورة التى تحولت بمرور الوقت، وبالتطبيل الإعلامى، إلى ثورة الحماية، متناسين أن «وما حماية الثورة بالبيانات، ولكن تأخذ الثورة أفعالا».. خذ عندك مثالا واحدا على تناقض أفعال المجلس مع أقواله، وهو تبطئه وتلكئه وتردده فى إصدار قانون العزل السياسى لفلول الحزب الوطنى، والله أعلم متى يصدر المجلس هذا القانون، الأمر الذى يضعه بلا شك فى موقف لا يحسد عليه، فكيف بالله عليك يا أستاذ «مجلس» لم تستغرق أكثر من 24 ساعة لتصدر قانون الطوارئ الذى ينافى كل القيم التى قامت من أجلها الثورة، ثم يأخذ قانون العزل السياسى كل هذا الوقت، رغم أنه من البدهى أن يكون أول متطلبات الثورة، فعلا منتهى الحماية!
يريد الشعب من المجلس أن «يظبط كل حاجة» كما قال المشير، لكننى أنظر باعتبارى واحدا من هذا الشعب إلى «كل حاجة» التى قال عنها المشير، فلا أجد منها أى حاجة. تتقاذفنا الأمواج، وتعصف بنا الحوادث، والمجلس فى مكانه، يختفى فى الوقت الذى يريد، ويظهر فى الوقت الذى يريد، وليته حينما يقرر الظهور يطلع علينا بما يغنى ويسمن، لكن طلعاته لا تزيد الملتبسات إلا التباسا، ولا تزيد من علامات التعجب إلا علامات استفهام.
كل أملى أن «نجيبها على بلاطة» حتى نعرف رأسنا من قدمنا، نريد أن نعرف نوايا المجلس بالضبط، ماذا يريد منا، وماذا يريد من الثورة، وماذا يريد من الرئيس القادم، وماذا يريد فى الدستور القادم. أرجو السيد «المجلس» أن يصارحنا بقدر ما نصارحه، لنعرف مصيرنا المعلق بين كلماته المترددة، حتى لا يغرق البلد فيما لا يعلمه إلا الله.
لم يعد الصبر شافيا فى بلد يتجه إلى المزيد من الغموض، ويجب أن تنتهى حالة التخبط والتناقض هذه، ويكفينا حسرة أنه بعدما انبهر العالم كله بالثورة المصرية، وقت أن كان يحكمها الميدان، أصبح الآن ينظر إلينا بعين الارتياب والتشفى بعد تسعة أشهر من «حماية المجلس للثورة». وبصراحة مطلقة فإننى لا أفهم كيف يسكت المجلس على تهديدات الفلول للأمن الوطنى المصرى؟، وكيف يبلع هذه الإهانة المريرة من رموز الحزب الوطنى؟ وكيف يصمت حينما يهددون أمن مصر ويلوّحون بتسميم مياه النيل وقطع الكهرباء عن مدن مصر وقراها والاستقلال بالصعيد؟.. هل يعقل أن يصمت المجلس «درع الأمن والأمان» عن هذه التهديدات، وينصاع لمطامع الفلول، ويتباطأ فى إصدار قانون العزل السياسى؟ أم أن هذا التباطؤ مقصود لكى يترشح الفلول للبرلمان ويفوزوا بعدة مقاعد ثم يصدر القانون، ويتم فصل أعضاء «الوطنى» المنتخبين، ثم يطعنون بعدم الدستورية، فينحل المجلس بأكمله، وننتظر انتخاب مجلس جديد، فتطول فترة المرحلة الانتقالية إلى أمد لا يعلمه إلا الله؟.. من فضلكم هاتوها على بلاطة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة