من البلاهة (والغباء أيضا) أن يطلب أحد من كائن ما أن يؤدى وظيفة لم يخلق لها، فمن البلاهة والغباء أن يطلب أحد من العقرب (أو من الثعبان) ألا يلدغ لدغته القاتلة ببث سمومه فى جسد ضحيته، أو من الأسد ألا يفترس الأضعف منه، فالسم مخلوق فى العقرب والثعبان فى تكوينه البيولوجى، وكذلك الأسد وقد خلق له الأنياب والمخالب والقوة، وبما أننا فى زمن الكمبيوتر والويندوز والفيسبوك فإنه يمكننا القول الذى يعرفه المبرمجون جميعا بأن إعطاء أى أمر للكمبيوتر لكى ينفذ أمر المستخدم (اليوزر أو المبرمج) لابد وأن يكون هذا الأمر موافقا لطبيعة التطبيق (البرنامج) الذى يستخدمه وإلا فإن الكمبيوتر لن ينفذ الأمر، فالكرسى مثلا فى عرف المبرمجين هو كائن خشبى له أربعة أرجل ومسند ولا يمكن أن تعطيه أمرا ليأكل من مسنده، كما أن القطة كائن لها أربعة أرجل لكنك لا تستطيع أن تعطيها أمرا بأن تجلس عليها، فكل الكائنات على ظهر الأرض من حيوان (والإنسان حيوان ناطق) أو جماد تنطبق عليه هذه الحقيقة، بما فيها "المجلس العسكرى"، وكذلك رئيس الوزراء "عصام شرف"، فبالنسبة للمجلس العسكرى وكل التكوينات العسكرية على ظهر الكرة الأرضية خلقت بالتقديس الكامل لتنفيذ الأوامر، فالأقل رتبة أو درجة عليه تنفيذ الأمر الصادر له من الدرجة الأعلى تنفيذا أعمى وبكل دقة وإصرار بدون أدنى مناقشة، والكل يعرف القانون العسكرى السائد بين العسكريين جميعا (نفذ الأمر وبعدين تظلم) ومن الطبيعى فى كل التكوينات العسكرية فى العالم فإن مخالفة الأوامر (أو حتى مجرد مناقشتها) فى لحظات تاريخية معينة (كالحروب والثورات) ضربا من الخيانة العظمى، وبالتالى فإن ممارسة الديمقراطية هنا تعتبر ضربا من الخيانة العظمى، وليس من البلاهة اعتبار المجلس العسكرى خارجا عن هذا التصور، ومع التأكيد على أن الجيش المصرى هو يكاد أن يكون المؤسسة الوطنية الوحيدة فى مصر فى كل اللحظات التاريخية الحاسمة فى تاريخ الوطن، فهو حامى كل ذرة من ترابه بدماء شهدائنا من الجنود والضباط عبر كل الأزمنة ولا نشك لحظة واحدة فى حمايته لثورة 25 يناير المجيدة (حتى لو كانت هذه الحماية بالحياد السلبى كما قال البعض ونوافقهم على هذا القول بالرغم مما فيه من تبسيط)، وبالتالى فإنه قوة حقيقية من قوى ثورتنا المجيدة ليس باتجاه حكم الوطن ولكن باتجاه حماية الوطن داخليا وخارجيا، لكن فى عصر التقدم باتجاه الحريات والحكم الديمقراطية لابد من الاتفاق على صيغة دستورية تسمح للجيش المصرى وعبر الوسائل الشرعية الاشتراك فى الحكم فعليا، وبالتالى علينا أن يكون وزير الدفاع شخصا مدنيا له الحق فى عضوية المجلس النيابى وله الحق إذن فى تقديم الاستجوابات وطلبات الإحاطة، أو غير ذلك من الصور التى تجعل الجيش المصرى مشتركا بالفعل فى الحكم من أمام الستار وبوضوح تام وليس من خلف الستار كما أشيع قبل ذلك عن وزير الدفاع الحالى، فمثلا فإن "الفكرة الإستراتيجية المهيمنة على من يمسك بقرارات التغيير الجارية فى المنطقة بأسرها، هى إعادة إنتاج دور الجيش مثل إعادة إنتاج دور التركى ما قبل وصول أردوغان للحكم، بأن يصبح دور الجيوش الأساسى حماية النظم العلمانية الجديدة التى يحاول البعض تشكيلها، لتكون هى حامية هذه النظم على اعتبار أن الحركات الليبرالية والمجموعات الليبرالية هى مجموعات ضعيفة، ولا تحظى بمشروعية حقيقية داخل المجتمعات، ونظم الحكم التى ستهيمن عليها أو التى كانت مهيمنة عليها وقت بناء أتاتورك للنظام هى تحتاج إلى دور القوة العسكرية لفرض هيمنة الليبرالية، حيث إن الليبرالية تقوم على نشر فكرة الديمقراطية والليبرالية وتداول السلطة بالمفهوم الغربى، لكن تطبيقها الجديد فى المنطقة العربية والإسلامية لا يمكن أن يتم إلا بحماية السلاح وإلا بدور الجيش، لمنع تداول السلطة وفقًا لصناديق الانتخاب، ففكرة إعادة إنتاج دور الجيش القديم هى الفكرة التى يجرى تمريرها فى المجتمعات العربية، وهى قد وصلت فى تركيا إلى حد المأزق ويجرى الآن تغييرها باتجاه فرض إرادة الشعب، لا فرض إرادة الليبراليين، وبالتالى أردوغان يعيد الجيش التركى إلى وضعية الاحتراف، بينما أصحاب الرؤية والقرار فى فرض نظم على المنطقة العربية الآن ما بعد الثورات العربية يحاولون أن تصبح الجيوش مصدرا لحماية النظم الليبرالية الضعيفة من رأى الشعب ومن صندوق الانتخابات، ومن المعروف عن وزير الدفاع المصرى والقادة العسكريين جميعا مدى التزامهم بكل احترام للأعراف العسكرية والتى هى بالتأكيد بعيدة كل البعد عن ممارسة الديمقراطية، فلا يعيبهم ذلك بل يعتبر ذلك مثار فخرهم وفخرنا بهم، ولذلك فإنهم بالتأكيد مع (الإصلاح) وليس (التغيير) وربما كان هذا السبب فيما نشرته جريدة (الجارديان) البريطانية بأن وثائق ويكليكس قالت بأنه قد "وصفت وثائق دبلوماسية أمريكية سرية حصل عليها موقع ويكيليكس المشير محمد طنطاوى وزير الدفاع المصرى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يحكم مصر حالياً بعد تنحى الرئيس حسنى مبارك (الذليل المخلوع)، بأنه – حسب زعم الجارديان - من الحرس القديم ومقاوم للتغيير، وإن السفير الأمريكى فى القاهرة فرانسيس ريتشاردونى وصف فى برقية أرسلها إلى واشنطن فى مارس 2008 المشير طنطاوى (75 عاماً) بأنه "كبير فى السن ومقاوم للتغيير.. وركز مع حسنى مبارك على استقرار النظام والحفاظ على الوضع الراهن خلال مرحلة ما بعد اتفاقية كامب ديفيد، وهما ببساطة لا يملكان الطاقة أو الرغبة أو النظرة لفعل أى شىء مختلف.. وكتب السفير ريتشاردونى فى برقيته أن المشير طنطاوى "استخدم نفوذه فى مجلس الوزراء لمعارضة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التى يرى أنها تضعف سلطة الحكومة المركزية، ويشعر بالقلق من مسألة الوحدة الوطنية وعارض مبادرات سياسية لاعتقاده بأنها تشجّع الانقسامات السياسية أو الدينية داخل المجتمع المصرى...، وينظر المسئولون الأمريكيون إلى الرجل الثانى فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الفريق سامى عنان (رئيس أركان الجيش المصرى) أكثر قابلية للعلاقات الشخصية.. وإنه- بحسب الصحيفة الإنجليزية أيضا - وجد نفسه فى موقع غير عادى كالشخصية العسكرية القيادية المفضلة من قبل واشنطن، والتى وصفته بأنه غير قابل للفساد ويمكن أن يكون رجل مصر فى المستقبل"، وبالتالى فإن "المجلس العسكرى" يعرف بأنه غير مؤهل للتغيير الذى يطالب به الشعب المصرى منذ اللحظات الأولى لثورة 25 يناير المجيدة، فأقصى ما يمكن أن يقوم به نظرا لطبيعته هو بعض (الإصلاحات) الشكلية التى كان جمال مبارك (ولى عهد الذليل المخلوع) قد طرحها فى مؤتمر للحزب الوطنى فى مؤتمر الأمانة العامة فى الحزب الوطنى (الفاسد المنحل) إلى أنه سيتم التركيز خلال المؤتمر السنوى للحزب على إبراز الإنجازات التى حققها الحزب وحكومته من برنامج الرئيس مبارك (الذليل المخلوع) الانتخابى خلال الفترة الماضية وبعض المشاكل التى تعوق تنفيذ بعض قطاعات البرنامج، ورأى أن برنامج (الذليل المخلوع) الانتخابى يعد أجندة عمل وطنية واضحة وبخطوات جادة غير مسبوقة للإصلاح فى مصر، ولفت النظر إلى أن مؤتمر الحزب سيناقش مجموعة من الإصلاحات الدستورية والتشريعية خصوصاً أن "مصر تمر بمرحلة تحول كبيرة فى هذا الإطار، حيث لم تطرح عليها أجندة دستورية وتشريعية بهذا الحجم منذ حوالى 80 عاماً، مؤكداً أن الإصلاح الدستورى سيشكل معالم الطريق الوطنى خلال المرحلة المقبلة"، وينطبق هذا القول تماما على ما يزمع المجلس العسكرى تنفيذه فى المرحلة الانتقالية، بما يعنى إعادة إنتاج (التوريث) لكن بدون جمال مبارك (ولى عهد الذليل المخلوع) فهذا هو أقصى ما يمكن أن يتصوره المجلس العسكرى بأنه قادر على تنفيذه، أما رئيس الوزراء الدكتور "عصام شرف" فهو ابن شرعى لـ"لجنة السياسات" بالحزب الفاسد المنحل وإن لم يطله "قانون الغدر" حال تنفيذه فإنه بالتأكيد غير قادر على تصور التغيير الحقيقى الذى ينشده الشعب المصرى بعد ثورته المجيدة، وأقصى ما يمكن أن يتصوره عضو لجنة السياسات سابقا هو (الإصلاح) على طريقة أفكار ولى عهد الذليل المخلوع أى إعادة إنتاج إجراءات (التوريث) بأثر رجعى لكن بدون ولى العهد ليصبح الأمر (توريث نظام) لا توريث فرد واحد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة