كانت صفقة ناجحة ومفيدة لطرفيها. تلك التى انتهت بمبادلة جلعاد شاليط بأكثر من ألف أسير فلسطينى. لكن الصفقات الأهم لم تحدث بعد. الذين نجحوا فى عقد صفقة شاليط مقابل الأسرى يمكنهم أن يدعموا صفقة بين فتح وحماس، وهى صفقة تعطلت وتأخرت كثيرا، ويبدو أن هناك من يربح مع تعقيدها.
ربما كانت كلمة الصفقة غير مناسبة بين الإخوة، لكن الذين قبلوا صفقة مع إسرائيل يمكنهم قبول صفقة مع إخوتهم. ويمكن أن يكون الأسرى المحررون بداية الخيط لإعادة الفلسطينيين لفلسطين، والعمل معا نحو إعلان الدولة وإعادة بناء العلاقة بين الأطراف المتضادة.
الأسرى المحررون لم يكونوا لحماس فقط أو فتح فقط بل كانوا فلسطينيين، فى الضفة وغزة وكل المدن الفلسطينية.. الفلسطينيون واحد، وفلسطين واحدة وحلم الدولة واحد، وربما يكون على أبومازن وهنية أن يعبرا المسافة الفاصلة من خلال جسر الأسرى، الذين عاد بعضهم لغزة أو الصفة، وتم إبعاد غيرهم إلى الخارج. كل هؤلاء سجنوا من أجل الدولة الحرة الديمقراطية. وربما اكتشف كلا الطرفين المتصارعين أنهما يخسران من الصراع، وأن إسرائيل تربح، وكانت قصة «أحلام ونزار» من أكثر القصص إثارة، فهى حمساوية وهو فتحاوى وسيتزوجان وغيرهما كثير، كيف يمكن أن تنجح الصفقات مع الغرباء وتفشل بين الإخوة؟
ولا يمكن تجاهل جلعاد شاليط الذى كان أحد عناصر الصفقة وأسرارها، وقد خرج وقال إنه كان يقرأ الصحف ويستمع للإذاعات «وأن الجنود لم يضربوه أو يعذبوه وقالوا له نحن لا نقتل الأسير مهما حدث»، وقال للصحف الإسرائيلية: «وعدتهم ألا أعود لحمل السلاح ضد الفلسطينيين».
الجندى الخارج فى صفقة الأسرى، أعلن أنه يتمنى إطلاق كل الأسرى الفلسطينيين، وبعضهم قضى فى السجن مدة أطول مع عمر شاليط المولود عام 1986. وأعرب عن أمله أن يحل السلام. وهو سلام لا يمكن أن يحل طالما دولته تملك أكثر آلات القتل وأكثرها توحشا، فهل يتحول جلعاد إلى داعية سلام. أم ينضم إلى دولة عنصرية فيها حمائم وصقور يختلفون فى الدرجة وليس فى النوع. جلعاد رأى كيف كان الفلسطينيون يعاملونه بإنسانية، وربما تعرف منهم على قضيتهم وأنهم يدافعون عن أرضهم التى سرقت ويعيش عليها سارقوها. وعرف أنهم ليسوا هؤلاء الوحوش الذين كانت إسرائيل تقتلهم وتصرخ منهم، بل هم أصحاب حق يواجهون كيانا عنصريا.
الأجواء مواتية أكثر من أى وقت ليعقد الفلسطينيون صفقتهم الكبرى، إعادة الصف الفلسطينى، حتى يمكنهم استغلال مناخ الثورة العربية الشعبية التى أكدت أن الكفاح السلمى مع الكفاح المسلح يمكن أن يحققا الهدف، بشرط أن يتوحد الجميع، وأن يسعوا للانتصار وألا يكتفوا فقط بهزيمة أعدائهم.