لو تسألنى عما فى قلبى أقول لك إنه صورة واحدة كبيرة تضم كل ديكتاتور ظالم مثل مبارك والقذافى وبشار وصالح وزين العابدين وباقى قادة الأنظمة العربية الفاسدة، يظهرون فيها «مكومين» لاهثين من شدة الذعر، ثم يلحق بهم صبى عربى شجاع وفى يده «جركن» بنزين يسكبه بهدوء فوق أجسادهم ثم يدور عنهم مبتعدا، وقبل أن يختفى من كادر الصورة يعود وينظر نحوهم بابتسامة ويلقى ما فى يده من نار أشعلتها ولاعة أحدهم التى طالما حرقت قلوبنا على أهالينا وأرضنا وكرامتنا.
هذا ما فى قلبى، وهذا ما أراه عقابا مناسبا لكل حاكم ظالم حول أحلام شعوبه إلى كوابيس، ولكن هل يعنى ذلك أن أفرح بالأيادى وهى تطول القذافى بعد القبض عليه تنكيلا، ثم تطول جثته وهو ميت ضربا وتمثيلا؟! للوهلة الأولى يمكننى أقول لك نعم.. فرحت برؤية القذافى وهو مذعور كما الجرذان التى طالما اعتبر الشعب الليبى من نسلها، فرحت وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة فى موضع الذل بعد أن عاش سنوات عمره وهو يستمتع بإذلال الملايين، ولكن حينما اختفى ذعر القذافى وتحول إلى جثة هامدة تتقاذفها الأيادى بالضرب والتحقير لم أعد أرى فى المشهد أى حلاوة، تحول القصاص العادل إلى انتقام همجى لم يقره شرع أو دين أو عرف أو حتى قانون حرب.
أعرف أنك الآن سوف تسعى لتذكرتى بجثث الشهداء التى ملأت شوارع ليبيا، ودماء الأطفال التى لم ترحمها رصاصات عسكره المأجور، ولكن آسف دعنى أذكرك بأن قلوبنا امتلأت بالرغبة فى قتل هذا الرجل وأمثاله من الحكام العرب لأنهم قتلوا وأفسدوا، ثم إننى لا أرى بطولة فى ضرب جسد ميت، أيضا أصبحت مقتنعا بأن الانتقام الأمثل من هؤلاء الذين كبسوا فوق صدورنا لسنوات طويلة هو تجريدهم من سلطانهم، ووضعهم خلف أقفاص ومشاهدتهم وهم يلعبون فى مناخيرهم وتزوغ منهم عيونهم من شدة الذهول، وليس إراحتهم من الحياة ومن بؤس أعمالهم بطلقة فى الرأس يتبعها ضربات لجسد ميت لن يشعر بالتأكيد لا بأوجاع الضرب ولا بأوجاع المسؤولية عن أفعاله.
الوضع الذى يقبع فيه مبارك الآن أشد قسوة من وضع القذافى الذى أصبح جثة، ربما يتمتع مبارك ببعض التدليل، ولكن تجريده من سلطانه، ومشاهدته حتى ولو بالصدفة أو عن طريق النقل لما كتب وقيل ورسم عنه وحوله من سخرية واستهزاء عقاب أشد وأقسى من تحويله إلى جثة لا تسمع ولا ترى ولا تحس.
فكر فيها قليلا وستجد أن القذافى لم يتعرض لعقاب حقيقى لما فعله بليبيا وأهلها ولم تزد فترة عقابه وإذلاله وإهانته عن الدقائق التى سبقت مقتله، بينما مبارك «متكوم» فى سرير تنقله مليونيات الثورة من شرم الشيخ وتضعه فى القفص ذليلا مثله مثل حرامية الغسيل، وتحوله كاميرات التليفزيون إلى مادة للمشاهدة والتسالى مثله مثل بلياتشو السيرك، فكر فيها قليلا وستكتشف أن الموت السريع لبشار أو مبارك أو القذافى أو صالح رحمة لا يستحقونها، وبقاء جثثهم حية لمشاهدة الشعوب التى ظنوا أنهم ملكوها وهى تنتفض وتثور وتحطم ملكهم هو كوب الذل الذى منه يشربون وبقهره يموتون ببطء على سررهم وداخل سجونهم كما يموت البعير.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة