مايحدث الآن فى العالم العربى أغرب من الخيال. النظم الرئاسية تتهاوى أمام أعين النظم الملكية.. النظم الرئاسية تفوقت فى سنوات حكمها على أى نظم ملكية فى الديكتاتورية والقمع. النظم الملكية فى الخليج مثلا تستطيع حتى الآن أن تحل مشاكلها مع شعوبها بما وفره لها الله من ثروات فى الأرض وببعض التنازلات السياسية التى قد نراها نحن لا قيمة لها، لكنها هناك لها معنى كبير كأن تدخل المرأة السعودية مجلس الشورى مثلا. امرأة فى السعودية ومجلس شورى هناك أمر كبير. هنا طبعا أمر عادى. من المؤكد أن مثل هذا هناك يقلل من الاحتقان بين الحكام وشعوبهم، ويارب كمان يسمحوا للمرأة هناك تسوق العربيات!!.
الأمر نفسه وبشكل أكبر وأهم تغييرات دستورية حقيقية تحدث فى المغرب التى تتسع فيها الحرية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أكثر من أى ملكية أخرى فى العالم العربى. النظم الرئاسية العربية أخذت من النظم القمعية كل طرقها فى القمع.. ولم تكتف بذلك بل سيطرت على خيرات بلادها وأفقرت شعوبها وتبارت فى السرقة والنهب إلى حد فاق كل خيال، وبعد ذلك أخذت من النظم الملكية نظام التوريث الذى بدأ فى سوريا ففتح شهية كل الرؤساء، فصار لكل منهم ابن ينتظر العرش فى دولة جمهورية!!
قامت الثورات العربية بشكل لم يتوقعه أحد. أنهى بن على بشكل كبير جدا التيارات الإسلامية الرجعية وفتح المجال للتيارات الليبرالية مكملا ما بدأه بورقيبة فقامت الثورة التى لم تر معنى لأى حرية دون مساواة وكرامة وعدالة اجتماعية، فعدوها الأول هو النظام القمعى وليس أى شىء آخر. فتح السادات ثم حسنى مبارك بشكل كبير الطريق للجماعات الإسلامية – الإخوان والسلفييين– ليستولوا على الشارع المصرى نظير استيلائه هو ومن معه على الحكم والثورة، وقضى بها وبنفسه أيضا على التيارات اليسارية والليبرالية، وتصور أنه ضمن الدنيا بعد أن أخذت هذه الجماعات الناس إلى الآخرة وتركوا الدنيا، فقامت الثورة تعلن أنه لاعداء بينها وبين أى تيار لكنها تريد الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة وإسقاط النظام.
أما القذافى فقضى على الجميع.. ليبراليين وإسلاميين ولم يعد حوله غير البلهاء ودارسى الكتاب الأخضر، وجرّد ليبيا من كل ثرواتها وإمكانياتها وفتح السجون بلاسبب وقتل الآلاف بلا سبب وسجنهم وفعل كل ما يتصوره الشيطان بحيث صارت ليبيا مثل صحراء جرداء.. لا سينما ولا مسرح ولا تعليم ولا صحة ولا أى شىء. والأموال كلها تصل إليه يوزع منها على من يشاء. وكل شىء يتحكم فيه هو نفسه حتى الماء والطعام، وطبعا معه أسرته وكل من ارتبط بهم.
قامت الثورة هناك وانتهت على غير ما انتهت به الثورتان التونسية والمصرية. لم يهرب ولم يخلع، قتل عمدا أو غير عمد، قتل وارتفعت الأحذية حول وجهه والهتافات المدوية تلعنه وتمجد فى الشعب.. نهاية أبشع من أى نهاية متوقعة، لقد كتبت هنا مقالا منذ شهور بعنوان هربان ومخلوع ومتعور – أقصد على عبدالله صالح - فكيف سينتهى الرابع. وانتهى بالقتل..
ولعله قتل لأن من أمسكوا به رأوا كيف تسير محاكمة مبارك، وكيف ظهر له أنصار بالأجر يهتفون آسفين ياريس أو بنحبك ياريس فأراد الذين قتلوه ألَّا يصلوا إلى هذه الحال. هذا إذا كان قتله عمدا. أما إذا كان غير ذلك ففى كل الأحوال طويت صفحته بشكل أسرع من غيره.
رغم أنه لو قدرت له الحياة لكانت محاكمته ستكون محاكمة القرن، وكانت ستتفوق على أفلام عادل إمام ومسرحياته فى الكوميديا.. هذه الأيام التى شهدت هروب بن على وخلع مبارك وقتل القذافى هى فى التاريخ أغرب من الخيال لأن هذه النظم الجمهورية فاقت نظم العصور الوسطى فى القمع وكل النظم الفاشية والشمولية الكبرى فى التاريخ. والنهايات أيضا لرؤسائها جاءت أغرب من الخيال فى سرعتها فى مصر وتونس ومقتل القذافى فى ليبيا.. لن يتعظ بشار ولا على صالح فالطغاة لا يتعظون.. لكنهم سيكونون مادة لخيال أكبر. وفى النهاية ألطف تعليق سمعته بعد مقتل القذافى. علشان لما حد يقول لنا احمدوا ربنا إن مبارك ما أمرش الجيش يعمل فيكم زى سوريا أو اليمن أو ليبيا نقول له احمدوا ربنا انتم إن الثوار ماعملوش فيه زى اللى عملوه الليبيين فى القذافى!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة