لا تحسب أنى أقصد بعنوان المقال المرحوم «فؤاد سراج الدين» رئيس حزب الوفد، فسراج الدين الكائن فى عنوان المقال ليس «باشا» إقطاعيا من بشوات أربعينيات القرن الماضى، لكن «باشا» من نوع آخر، باشا مودرن، برابطة عنق أنيقة وبدلة إنجليزية وعطر فرنسى الإيحاء، لا يجلس باشا هذا الزمان فى كارتته ولا يمر على أراضيه، وإنما يجلس فى القاعات الفخمة مستمتعا بلقب «مثقف رفيع» تراه دائما ينادى بقيم الحرية والديمقراطية بينما تدل تصرفاته على أنه ينتمى لتلك الحقبة المقيتة التى تعلى مبدأ الإقصاء للمخالفين ونفيهم واستبعادهم، لو كان أمثال هذا الباشا موجودا بعد ثورة يوليو لاستبعده عبدالناصر فورا، ولجرده من مرتبه الضخم الذى يقدر بمئات الآلاف، لكن ماذا نفعل للباشا الكائن بمكتبة الإسكندرية الذى اعتبر ثورة يناير «مطب صناعى» عبره بارتياح دون أن يسقط عنه طريقة تفكيره البائدة، ولا تبعيته الروحية والرسمية لنظام مبارك الفاسد، ودون أن يقول له أحد من أسيادنا فى الأعالى للخلف در.
انظر إلى صورته بجوار «الست هانم» حرم الرئيس المخلوع وهو خاشع وخاضع لتعرف إلى أى نوعية من الرجال ينتمى هذا الرجل، وهو الذى عاش سنوات وسنوات يتمرمغ فى أبهة مكتبة الإسكندرية ثم خرج علينا بعد سقوط مبارك ليدعى البطولة وليقول إن مبارك كان يضطهده ووقف ضده فى انتخابات اليونسكو، نعم كان مبارك يضطهده بدليل أنه عينه على رأس واحدة من كبريات مكتبات العالم، ونعم كان يضطهده وهو الذى ربط له راتبا يقدر بعدة مئات من الآلاف، ونعم كان يضطهده بدليل أنه جدد رئاسته للمكتبة سنة بعد سنة، ولا نعرف لماذا خص مبارك «سراج الدين» بكل هذا الظلم العظيم، ضاربا بمبدأ المساواة فى الظلم عدل عرض الحائط.
كان هذا فى العهد الماضى، لكن بما أن للهضبة عمرو دياب أغنية خالدة يقول فيها «ما بلاش نتكلم فى الماضى ده الماضى ده كان كله جراح» فدعونا لا نقلب فى جراحات الماضى، ولنبق فى الحاضر الذى نأمل أن يتطهر من ملوثات الماضى ليصبح أساسا لمستقبل نتعشم أن يكون أفضل من حاضرنا وماضينا، لكن للأسف هناك من هم يصرون بكل الوسائل الممكنة أن يلطخوا الحاضر بماضيهم الذى لم يحاسبوا عليه، وخير شاهد على هذا ما حدث فى مكتبة الإسكندرية بعد الثورة، فبدلا من أن تتطهر مؤسساتنا من «شيالى شنط» الهانم والبيه، انقلبت الآية، وسعى هؤلاء إلى إقصاء الشباب الحر عن هذه المؤسسات، فبعد مباحثات واستعطافات وتوسلات من جانب أهل الخير، أصر السيد إسماعيل سراج الدين على استبعاد الشاعر عمر حاذق من وظيفته بمكتبة الإسكندرية ورفض أن يجدد له تعاقده مع المكتبة بشكل قاطع ردا على مقال كتبه حاذق ينتقد فيه ممارسات مدير المكتبة فكان رد «مدير منارة حرية الرأى والتعبير» كما يحب أن يطلق على المكتبة أن يستبعد ابنا لها غير مبال بمستقبله ولا وضعه الاجتماعى، تتحجج المكتبة وتدعى أن تصرفها قانونى بدعوى أن صيغة التعامل مع المكتبة تتيح لمديرها عدم التجديد لموظفيها إذا ما ارتأى أنهم غير صالحين للعمل، لكن ما حدث ليس له أدنى علاقة بالعمل، فقبل الثورة بقليل كان حاذق «ابنا مدللا» للمكتبة، وكان الجميع يتنبأ له بمستقبل مبهر، ويفوضونه لعمل المؤتمرات والأمسيات الشعرية الكبرى والبعض كان يبشره بترقية كبيرة فى القريب العاجل، لكن لأن مكتبة الإسكندرية عزبة لمديرها أطاح بحاذق وبأمثاله من المكتبة بأجفان باردة ويد ثابتة، إذن لابد من أن يعلو الهتاف مرة أخرى «الشعب يريد إسقاط المدير».