فى كل مهنة يوجد من يمكن أن نطلق عليه جواهرجى فى مهنته، فالجواهرجى هو المتخصص فى التقاط الأحجار الكريمة والقيمة من بين عشرات أو آلاف من الأحجار والمجوهرات التى قد تبدو لغيره براقة تخطف الأبصار، ولكنها فى حقيقتها غير أصيلة ولا تساوى شيئا، وكذلك فى مختلف المهن، فهناك مثلا فى مجال التعليم قد يوجد مدرس جواهرجى يستطيع أن يلتقط من بين تلاميذه من هو أكثر موهبة فى العلوم أو التعبير أو غيرها ويساعده ويوجهه ويغير حياته، وهناك جواهرجى فى مجال الكرة يلتقط لاعبين موهوبين من شوارع وحوارى القرى ليصعد بهم أو فى مجال الصحافة، وهكذا فى كل مجال.
وبالتأكيد هناك أيضا جواهرجى فى عالم الفن يستطيع أن يلتقط الموهبة الفنية فى الوقت الذى لا يدركها الكثيرون، ولكن المشكلة القائمة فى مصر منذ زمن ليس بقليل أن هؤلاء الجواهرجية فى كل المجالات قد قل عددهم أو حتى كادوا أن يندثروا مما جعل من ظهور موهبة عملية مرهقة لأصحابها، بل أحيانا تتوه المواهب دون أن تعرف حتى أنها قادرة على أى إنجاز.
ولكن هناك فى مركز الإبداع بالأوبرا جواهرجى اسمه خالد جلال يعمل من سنوات ليست كثيرة وبصمت فى البحث عن مواهب مصرية فى مجال التمثيل والغناء وكل المجالات الفنية، ثم يفاجئنا بعمل فنى يجمع فيه حصاد جواهره فيبهرنا ويشعرنا بأن معين مصر من المواهب لا ينضب.
وآخر حصاد لورشة خالد جلال الذى يعرض حاليا هو حلو الكلام، العمل الفنى الذى يجمع فيه ما بين جواهر حديثة شابة نابضة بالموهبة والجمال وبين جواهر قديمة من أشعار كبار شعرائنا.
خالد جلال قدم لنا قهوة سادة قبل أعوام وشربناها على روح مصر التى تصورناها ماتت.
وهو الآن يقدم لنا حلو الكلام بعد الثورة عله يخفف من مرارة القهوة السادة التى شربناها طويلا، ومع حلو الكلام يقدم لنا مجموعة من الشباب بنات ورجال ما أروعهم صوتاً وأدائاً وموهبةً.
مخطئ من يقول إن مواهب مصر تنضب، ولكن المشكلة أننا نعانى من ندرة فى الجواهرجية تخرجها لنا من باطن الأرض، ولهذا تحية للمخرج خالد جلال وجواهره فى حلو الكلام.
أعرف أننا جميعا نعانى بتفاوت فى هذه الأيام، ولهذا أدعو كل من يستطيع أن يستقطع من وقته ساعة ونصف الساعة أن يذهب إلى دار الأوبرا لمشاهدة حلو الكلام لأنك ستخرج بعدها أكثر أملاً فى مصر وأقل يأسا وأسعد حالاً، وما أحوجنا جميعا إلى أمل بعد طول يأس.
كلمة أخيرة: على وزير الثقافة أن يسمح بانتقال هذا العمل الفنى بين محافظات مصر، فكل مكان على أرض مصر من حقه أن ينعم ببعض من حلو الكلام لأنهم شاركونا كما فى القاهرة المر وربما أكثر فامنحهم يا وزير ثقافة الثورة بعضه.