من حين لآخر، يحدث شىء إيجابى فى وسط السلبيات الكثيرة التى نحيا مكبلين بها، شىء يشعرك أن هناك بعض التغيير فى مصر، وأن التعب والعناء الذى عشناه طوال الأشهر الماضية لم يذهب هباء، فها هو القضاء يأمر بتمكين إخواننا فى الخارج من الإدلاء بصوتهم بعد أن حرمهم منه مبارك طوال السنوات الماضية لصعوبة تنفيذ تمثيلياته التزويرية خارج حدود أمن الدولة، وها هى بعض الوزارات تجتهد فى إنجاز مشروعات طال انتظارها، مثل مشروع المخطط الاستراتيجى الوطنى الذى وضعته وزارة الإسكان، ومشروع التأمين الصحى الذى تعده وزارة الصحة، ولعل آخر ما سمعته وأدخل البهجة إلى قلبى فى وسط الأيام العجاف هو ترشيح شاعر الشعب سيد حجاب لجائزة الدولة التقديرية، وهى الجائزة التى حرم منها طوال تاريخه الشعرى المتميز فى أيام مبارك، وكان طبيعيا أن يرشح لها فى أول دورة ترشيحات رسمية بعد رحيل الطاغية.
اختار بيت الشعر الذى يرأسه الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى سيد حجاب لينافس على جائزة الدولة التقديرية، ولا تسألنى لماذا لم يترشح حجاب لهذه الجائزة من قبل فالجواب معروف، فالجهات الرسمية والأهلية التى تتولى مسألة الترشيحات كانت تحرص على أن تتبنى أسماء بعينها لا تغضب السادة الحكام ومن ينافقونهم، ليكون حظها أوفر فى أن ينال مرشحوها الرضا لتكون الجائزة بهذا الوضع أشبه بمكافأة على الوداعة، ولا يمنع هذا بالطبع أن تنال جائزة الدولة التقديرية من حين لآخر شخصية محترمة لإضفاء بعض الشرعية والمصداقية على الجائزة، ولن أنسى ما حييت كيف وقف رجال مبارك أمام حصول المخرج العالمى يوسف شاهين على جائزة النيل وقت أن كان اسمها «جائزة مبارك» لأنه كان معارضا شرسا لمبارك، ولم يحصل عليها إلا بعد أن تم «تجريسهم» فى الصحف المصرية والعربية، ولم أنس كذلك كيف مات العالم الكبير «شوقى ضيف» دون أن يحصل على هذه الجائزة بعد أن ترشح لها أكثر من مرة ليخطفها فى النهاية الراحل أنيس منصور، الذى كان مقربا من النظام وصديقا للسفير الإسرائيلى، ولا يغيب عنا ما كان يحدث قديما لتأديب بعض المبدعين بالحرمان من هذه الجائزة بحرمانهم منها حتى يغيروا مواقفهم، فلم يحصل أديبنا الكبير جمال الغيطانى على جائزة الدولة التقديرية إلا حينما أشار أكثر من مرة إلى «دور السيدة الفاضلة سوزان مبارك» فى إثراء الحياة الثقافية، وتصالح مع الوزير السابق فاروق حسنى بعد سنوات طويلة من العناد والهجوم المستمر.
أتعشم أن يكون ترشيح سيد حجاب لهذه الجائزة مؤشرا على حدوث تغيير حقيقى فى آلية منح الجوائز فى مصر، وألا يكون من باب «نفاق الثورة» ورجالها كما كان النظام السابق ينافق مبارك ورجاله، فبلا شك يستحق حجاب هذه الجائزة من سنين، ومنعه عنها معارضته الشرسة لمبارك وقت أن كان حاكما، أما الآن وقت اختلف الوضع «قليلا» فلا يمكن أن تستمر حالة النفاق ليضيع استحقاق شاعرنا الكبير للجائزة وجدارته بها وجدارتها به، فلا يحتاج حجاب لجائزة رسمية لتأكيد شاعريته ودوره الكبير فى بناء وجدان وطن بأكمله، لكن تحتاج مصر إلى أن تكرم أبناءها الحقيقيين ليصبحوا مثلا وقدوة للأجيال القادمة ولتكون الموهبة والإجادة هما الشرطان الأساسيان للتكريم، لا أى شىء آخر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة