كان الهتاف «دى بلدنا.. دى بلدنا» يعلو كلما حاولت قوات الأمن أن تبعد المتظاهرين عن ميدان التحرير، وبعزيمة خارقة، وصل المتظاهرون إلى ما يبتغون، وفى التحرير أسسوا بلدهم الذى فى خاطرهم وفى دمهم، فكان محط أنظار العالم أجمع، وكان ما كان من جمال ورفعة.
كانت صينية ميدان التحرير مركزا وشاهدا على ما جذب أنظار العالم، وأخشى ما أخشاه أن نضيع الفرصة من أيدينا وألا نقبض على الكنز الذى وهبنا الله إياه، ثم نبكى على الأمل المسكوب، وبالأمس اقترحت أن نحول الميدان إلى أيقونة دائمة ليصبح رمزا لكل الفضائل التى نحارب من أجلها، وسندا وعونا لنهضتنا المبتغاة، بالأمس أيضا اقترحت أن نستغل ميدان التحرير وإمكانياته المذهلة بما يعود بالفائدة على مصرنا الحبيبة بدلا من تشويهنا له وإفسادنا لرمزيته المحببة، وفى الحقيقة فقد تشعبت الفكرة وتبلورت بعد كتابتى لمقال الأمس، واليوم اسمحوا لى أن أشرككم فيما فكرت فيه، وأن نحلم سويا ونمد حبل الأمل على الغارب، من أجل هذا الهدف الذى أعتقد أنه «مفيد».
الهدف الأول من هذه الفكرة هو تخليد الميدان وذكراه العطرة، ومن تبعات ذلك أن يتحول الميدان تلقائيا إلى مزار سياحى وثقافى كبير وشهير ليعود بالنفع الاقتصادى والسياسى والثقافى على مصر، ولهذا فكرت فى أن نخلى مجمع التحرير من «كراكيبه» لننقله فى منطقة أرحب، ثم نستغل هذا المبنى الشاهق بساحته الواسعة فى مشروع ثقافى أو سياحى كبير، ولا مانع أيضا من أن نحول مبنى مجلسى الشعب والشورى إلى متحفين للتاريخ الحديث ليكونا مزارين رئيسيين من المزارات المهمة على الخريطة السياحية، ليشكلا مع المتحف المصرى بانوراما لتاريخ مصر بقديمه وحديثه، أضف إلى ذلك ترميم العمارات المحيطة بالميدان وتجميلها، ليصبح الميدان كله آية من آيات الفن والإبهار.
فى المنتصف طبعا توجد الصينية التى تأبى أن يكون النصب التذكارى للشهداء إلا فيها، أما مقر الحزب الوطنى فأتمنى أن يظل شكله الخارجى كما هو ليصبح آية للظالمين فى كل مكان، أما داخله فأتمنى أن يتم تحويله إلى متحف للعصور المظلمة، بآلياتها العفنة وأدوات تعذيبها غير الآدمية، ليصبح شاهدا على الاستبداد، وليذكر المجرمين بجرائمهم إلى أبد الآبدين.
يعيش الميدان على حاله طوال أيام الأسبوع، ليأتى يوم الجمعة بزخمه وجلاله فإن كانت هناك مطالب سياسية ترفع فيها، وإن لم يكن فيتم استغلال المنصات لتصبح مسارح صغيرة متنقلة، وعلى الجوانب نقيم معارض للكتاب وندوات سياسية وثقافية أسبوعية متنوعة، ومعارض للفن التشكيلى، خلال ذلك من الممكن أن تنطلق الدعوات التنموية من الميدان، وأن تقود معاركنا الإعلامية مع الدول غير الصديقة وخصومنا منه، وأن نتبادل المحبة مع أصدقائنا عبره، ليستعيد الميدان قوته ورمزيته، وتستعيد مصر وجهها المنير.
هذا حلمى وأعتقد أنه حلم كثيرين من أبناء مصر، وعلينا أن نحلم، وليس علينا إفساد الأحلام، وأعتقد أننا قد غادرنا مرحلة السخرية من الحالمين بعد 25 يناير، وآمنا بأن الفكرة التى قد تولد بعفوية وصدق من الممكن أن تصبح حقيقة، شريطة أن يتوافق الجميع ويصدقون العزم والنية، فتتحد الأرواح لينكسر القيد، إذ «لابد للقيد أن ينكسر».