قطع الطرق وتعطيل القطارات واستمرار سرقة السيارات وأعمال البلطجة والإضرابات والاعتصام.. كلها أعمال تثير القلق والخوف من المستقبل، ولا تهدد فقط هيبة الدولة بل وجودها.. فالسير فى هذا الطريق يقودنا إلى مصاف الدول الفاشلة!!
طبعا الحديث هنا عن فشل الدولة يعنى أيضا فشل الثورة، وتعثر الانتخابات، وفشل الحكومة والمجلس العسكرى، رغم أن الأخير يبرر انفراده بالحكم بقدرته على حفظ الأمن وحماية الدولة وتفعيل القانون. وهى مهام صعبة لكنه أخفق فيها لأسباب يطول شرحها لعل فى مقدمتها انفراده باتخاذ القرار وعدم امتلاكه رؤية واضحة لمهام المرحلة الانتقالية، وبالتالى اعتماده على منهج التجربة والخطأ، وهو منهج يبدد الوقت والجهد، ويحقق خسائر هائلة تحت دعوى التجريب والانتظار!!
لم يقدم المجلس العسكرى للمصريين الأمل، أو حتى الوعد بحياة أفضل، فقد اكتفى بتغيير رأس النظام ورموزه الأكثر شهرة واستفزازا للناس، وترك نظام مبارك ومنهجه فى التفكير والعمل بدون تغيير، وبالتالى شعر أغلبية المصريين بأن الثورة لم تحقق لهم شيئا، زد على ذلك أن وزارة الداخلية لم تتغير، ودخلت ما يمكن وصفه بالتباطؤ المقصود عن العمل، لكن شرطتنا لم تعلن عنه، والمفارقة الأخطر أن الجهاز الذى يشارك الجيش فى حق ممارسة القوة دخل مسلسل الإضرابات والاعتصامات، والتنظيمات والائتلافات.
السلطة القضائية بدورها دخلت نفق الإضرابات فالقضاة والمحامون أضربوا عدة مرات، والأخطر أن الاختلاف بين ذراعى العدالة يدار بأساليب متوترة تفتقر للحكمة والشعور بالمسؤولية.
وإلى جانب أزمات القضاة والمحامين هناك المطالب الفئوية للعمال والفلاحين والمعلمين والأطباء وأساتذة الجامعات، وهى بالمناسبة مطالب مشروعة – شرط عدم التخريب وقطع الطرق – ولا ينبغى التعالى عليها أو اتهام أصحابها بتخريب الثورة وعدم الصبر، بل لابد من مناقشتها وطرح حلول واضحة بجداول زمنية لتحقيقها فى المستقبل القريب.
هكذا تبدو الدولة محاصرة بكم هائل من المشكلات والأزمات –أغلبها موروث – فالشرطة تضرب بالتباطؤ ويعتصم بعض أفرادها، والقضاة والمحامون يتصارعون، والسلطة التشريعية لا وجود لها، وباقى أجهزة الدولة والمحليات تعانى من دوامة المطالب بتغيير القيادات والعناصر الفاسدة، علاوة على ضغوط المطالب الفئوية. وائتلافات الثورة والأحزاب ضعيفة وارتكبت أخطاء كثيرة.
لم يبق فعلا سوى الجيش والمجلس العسكرى - يصعب التفريق بينهما - كقوة حقيقية ومتماسكة على أرض الواقع، تجسد معنى الدولة وتصونها، ولكى تنجح هذه القوة عليها أن تعيد تقييم أدائها، وتصحح أخطاءها، وأن تبادر باستعادة الثقة بينها وبين ائتلافات الثورة والأحزاب والقوى المدنية، وأن توسع من دائرة اتخاذ القرار بحيث يصدر عبر حوار مجتمعى وتوافق وطنى.
والأهم أن يبادر المجلس العسكرى بتنفيذ مطالب الثورة فى إسقاط وتغيير مؤسسات وقيادات النظام، لأن درس الشهور التسعة الماضية يؤكد أن البطء، والغموض وعدم طرح خريطة زمنية للمرحلة الانتقالية، ينشر الشعور بخيبة الأمل بين المواطنين ويؤدى إلى مزيد من المشاكل والأزمات التى بدأت تطال مؤسسات الدولة نفسها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة