فى زحام الحياة تضيع منا أشياء، ويتوه العقل مع سباق الكلمات، وتمر السنين مليئة بالحزن والأفراح والغضب وحب الامتلاك والحنين والاشتياق للماضى، ومازالت الأحلام تنال من قلوبنا ونبحث معها عن الذات، ونغوص فى بحار غموض الشخصية المصرية التائهة فى حوارى القاهرة.
أشعر بالحنين إلى الذكريات، وكأنى أريد العودة للماضى الجميل، بعيداً عن المشاحنات السياسية والضغوط الحياتية وكواليس العمل، وغيرها من الأمور الأخرى، ووجدتنى فجأة أشتاق إلى الإمساك بقلمى وكتابة عما يجول بداخلى، على ورقة من دفاترى القديمة، وليس على جهاز "اللاب توب" مباشرة.
حينما أمسكت بالقلم شعرت بارتياح كبير.. ووجدته يبتسم لى ويقول أخيراً أتيت لزيارتى فاستغربت، فقال لى: "لا تستغرب فأنا أعتبرك صديقاً حميماً لى، فكن صديقاً حميماً لى وكن محباً للحياة ومخلصاً للضحك والبكاء.. وكن كالجبل قوى لا تخشى صدام الغوغاء".. فوجدتنى فعلاً مقصراً فى حق قلمى بسبب الهروب منه كل هذه الفترة، وقررت أن يكون صديقى الذى سأحكى له عن كل همومى، حتى ولو لم يتم نشرها فى مقال لى، ثم همس قلمى قائلاً: "لكننى أحس أنه هناك نبرة حزينة فى صوتك".
قلت له أشعر بمدى الحزن على ما يحدث داخل مصر، فبعد أن انتظرنا الحرية بمفهومها الحقيقى واستشعرنا أنها جاءت مع فجر 25 يناير، وقضينا على مفهوم الفرعون الحاكم ورحل النظام الفاسد، تعرضنا للصدمة بسبب الانقسامات والخلافات بين أبناء الوطن الواحد، وكثرة الائتلافات، واتهامات الخيانة، مما شجع جماعة المنتفعين من النظام المخلوع للظهور مجدداً وبدء الثورة المضادة، ولا أجد رداً أو حلولاً سوى الصمت حزناً، عما يحدث، فبدلاً من أن نصبح يداً واحدة للعبور بمصرنا إلى بر الأمان، ونبحث عن حقوق دم شهدائنا يصل بنا الحال لهذه الدرجة.
مضيت الفائت من عمرى أسعى مع الحياة دنيا إلى الخروج من "قمقم" ضيق اسمه الانتظار، ونحلم سوياً أن نفتح باب النهار، ولكنها لم تستطع الانتظار وتهددنا بالهروب إلى خيار آخر، فمنذ دخولى تلك المدينة "القاهرة"، تقلبت قدماى فوق أشواك جرحتها، فامتلأت بمشاعر كثيرة جعلتنى أبكى.. منذ دخلت تلك المدينة تهت فى شوارعها ومنحنياتها، فأصيبت عينى بنظرة التحدى.. منذ دخلت تلك المدينة لم أجد سوى الوقاحة فى معظم الأحيان، وأحاول أن أبقى على صورة البراءة التى بداخلى.
أتعبتنى فتسلل القلق فى نفسى، وأنا مازلت فى الانتظار أتكلم لا تسمعنى.. أصمت لا تسألنى.. وفى كل مرة أقسم ألا أعيد الكلام، ولكنى أبدأ مرة أخرى وكأنها أول مرة أتكلم، ولا أعرف إلى متى أنتظر، وإلى متى سأقول كلمه (نعم)، فأنا أريد أن أعتذر عن كل الماضى والحاضر.. فماذا أنتظر؟ أريد حريتى فوحشتنى كلمة "لا".. وأريد أن أعود طفلاً صغيراً، ووجدتنى شغوفاً لسماع أغنية الفنان مارسيل خليفة "أحن إلى خبز أمى وقهوة أمى ولمسة أمى".
ثم رن فجأة جرس الباب وقبل أن أذهب لفتح الباب قمت بوداع قلمى، وقلت له سأعود لزيارتك مرة أخرى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة