لا يمكن أن تشعر بغيابه لأن حضوره مؤكد، ترك العديد من الأفكار والدراسات المخلصة تمس اللحظات الحرجة التى نعيشها، ومايزال بابتسامة رضا وصوت خفيض يناقش أكثر القضايا عنفاً وصخباً، ويقدم اكتشافاته بتواضع العلماء، لم أره دون صبر وابتسامة ثقة وإقبال على الحياة.. إنه حسام تمام المفكر العظيم الذى رحل عن عالمنا فجأة، وماتزال أفكاره تمنحنا ثقة فى المستقبل وتشتت الكثير من سحب الشك والخوف.
أمثال حسام تمام من الباحثين والكتاب قلائل مقارنة بالكثير من منظرى «القص واللصق»، ومثلما تشكل العدالة القيمة والهدف الأسمى للسياسة، فإن حسام تمام يمكن اعتباره مفكراً عادلاً، كان مختصاً فى ملف التيارات الإسلامية السياسية، وطوال عمره القصير الذى لم يجاوز الأربعين عاماً، قدم للمكتبة نتاجاً مخلصاً من الأفكار التحليلية والنقدية لتيارات إسلامية شغلت مصر والعالم، كان فيها يدافع عما يستحق الدفاع، وينتقد ما يجب انتقاده، دون أن يستخدم العراك، بل الفكر والقراءة العادلة التى لا تهمل جزئية، ولا تتجاهل دفعاً، يعمل بعدالة قاض من أجل الفكرة والحقيقة، وليس للشهرة والنجومية.
ومن قوة منطقه وحرصه على تحقيق العدالة الفكرية، كان موضوعياً فى زمن الاستقطاب الحاد، والانحيازات المربحة، لكنه لم يربح إلا نفسه، فى كل دراسة له كشف جديد، ونظرة واحدة على كتبه ومقالاته ودراساته، أو على مرصد «الإسلاميون» الذى أقامه لخدمة الفكر تبين لنا عدالة الإخلاص.
كان عادلا فى وقت يعرف فيه أن الانحياز أكثر ربحا، أن تكون مع أو ضد أهلى وزمالك، متعصب، أو ملحد إرهابى، أو صانع سلام، أما الوسطية والتدرجات الطيفية للبشر والآراء غير مرغوب فيها من تجار الاستقطابات، لأنها تقول ما يزعج وتفتح الباب لنقاش يرهق عقول «الاتجاه الواحد».
رأينا بعضا ممن يعلنون أنفسهم باحثين فى شؤون الإسلام السياسى يقدمون خلطات سريعة ودراسات سابقة التجهيز أحكامها مسبقة، لكن حسام كان حريصا على توظيف معارفه الغزيرة، وعقله المنظم للعمل بإخلاص فى ملف معقد برغبة فى المعرفة، تترجم إلى تنوير وتعريف وتعليم حقيقى.
ومن عدالة أفكاره حسب على الإسلاميين من خصوم التيار، وحسب على نقاده من التيار، لكنه حظى باحترام الجميع كمفكر هدفه الحقيقة.
فى كل كتاب أو دراسة كان قادراً على التوصل لاكتشافات غير تلك «المعلبة» بدعم أمنى، أو سطحية إعلامية.
رحل حسام تمام فى لحظة نحن أحوج فيها إليه لفك غموض وطلاسم المشهد، ومثلما كان مفكراً عادلاً، كان إنساناً عادلاً بعيدا عن مجانين الأضواء وملاحيس النجومية.
عاش كطيف ورحل كطيف، وحتى فى لحظات معاناته مع السرطان والكيماوى واصل عمله، مصراً على أن يغرس ما فى يده من فسائل.. كان خبر رحيله صدمة ليبقى حاضرا فى الغياب مثلما كان فى الحضور.. الصديق والمفكر حسام دمت لنا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة