ليس أسوأ ما فى أزمة المفتى على جمعة مع الداعية أبوإسحاق الحوينى، أنها تحولت إلى حرب عقائدية بين السلفيين رءوس المتظاهرين والصوفية تشهر فيها السيوف وترفع المصاحف فوق صور الشيخين، ويحاول كل الطرفين إثبات أنه الأكثر إيمانا وورعا وتقوى، الأسوأ من كل هذا أن تخرج العقارب والثعابين من جحورها وتختبئ تحت العمامات الأزهرية العالية واللحى الكثيفة والجلاليب البيضاء لتنفث سمومها بين عامة المسلمين تحت ذريعة الدفاع عن الحق، ونحن نعلم أن تلك الزواحف لا يعرف الحق ولا يهمها الإسلام بقدر ما تعنيهم الفرقة بين أبناء الإسلام، فإذا كان من يدعون أنهم أنصار الحوينى قد دعوا لمليار توقيع لإسقاط المفتى - وإن كنت لا أعلم مرادهم من إسقاطه - فهاهم المنقسمون فى الصوفية يفتحون أذرعهم للمفتى، ويقولون هلم إلينا لنتف لحى أدعياء الوهابية، وتلك هى الكارثة، فلا الخلاف الفكرى بين الشيخين يستدعى أن ينقسم المسلمون إلى فسطاطين - واللفظ هنا حصريا لشيخ ثالث - ويستفحل العداء بين الطرفين وندخل فى دوامة تكفير لا تنتهى.
كلا الشيخين عليه أن يتحمل مسؤوليته أمام الله عز و جل وإمام المسلمين، وستظل باقية فى رقبتيهما إلى يوم القيامة، ألا يكفى الإسلام الآن عملية المخاض الكبرى التى تخضع لها الحركات المنتسبة له، بما فيها من تشوهات وأمراض من الماضى تؤثر على علاقتها بالمستقبل، ثم تأتى خصومة قانونية بين شخصين فتتحول بحماقة بعض أتباعهما إلى ما يشبه غزوات الجاهلية.
كلاهما يتحمل وزر الخطأ فى الآخر، فالحوينى أخل بأدب النقد والحوار فى حق المفتى حين هاجمه بألفاظ لا تليق برجل يقتنع السلفيون بأنه «العالم المحدث» لهذا العصر، ثم أخطا لأنه ترك تلاميذه يجتزئون كلام المفتى لاتهامه بالفسوق باطلا وإظهاره وكأنه ليس عالم دين بل مجرد متعالم بسوالف طويلة يحضر حفلات عيد الميلاد الماجنة ويشتم أئمة السلف، بينما أخطأ المفتى حينما لجأ للحل القانونى دون أن يبدأ بالحل الدينى الأقرب لطبيعة مكانته كمفتى للديار ومنتسب للتصوف، وجرجرة من يختلفون معه وينتقدونه - حتى ولو بظلم - إلى المحاكم، كما أنه ترك من يخرجون لمناصرته أن يقعوا فى فخ الاقتسام والفتنة فيما كان عليه أن يجمع لا أن يفرق.. إنها حقا سنوات خداعات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة