سؤال أكاد أراه وأسمعه من كل من أقابل أو أرى فى شوارع المحروسة.. سؤال يخرج من بين كلمات وأقوال هؤلاء القابعين أمام شاشات التليفزيون، أو حتى الذين لا يستهويهم ذلك الجهاز ويكتفون أحياناً بمطالعة الصحف.. سؤال يردده بتعبيرات مختلفة كثير من هؤلاء الذين يقبعون أمام شاشات الكمبيوتر يتبادلون الرأى عبر شبكات التواصل الاجتماعى.. سؤال واحد وإن اختلفوا: «هو فيه إيييه يا مصر؟؟؟»، والسؤال للحق يُطرح أحياناً كاستفهام، وأحيانا كاستنكار، وفى أحيان أخرى كإقرار حالة واقع واندهاش. المهم أن المصريين على اختلافهم يتساءلون: «هو فيييه إييه يا مصر؟»، وكأن مصر المظلومة بنا هى الفاعلة وليس المفعول بها، ولهذا فأنا أود أن أعيد صياغة السؤال أو الاستنكار أو الاندهاش وأقول: هو فيه إييه يا مصريين؟!
كيف بشعب خرج منذ أحد عشر شهراً وأسقط نظاما برك على أنفاسه ثلاثة عقود، وكاد أن يرثنا.. كيف بهذا الشعب الذى أبهر العالم بتحضره ورقى ثورته وبياضها، يتحول فى غضون شهور قليلة من عمر الزمان إلى حالة من التفسخ شبه الكامل، المصريون اجتمعوا على كُره نظام حكمهم طويلاً وحين سقط، لم يجدوا للأسف ما يجتمعون عليه، بل صاروا شيعاً وجزرا متباعدة متنافرة.
شعب مصر يسير عكس نواميس الطبيعة، فطبيعة البشر والمثل الشعبى يقول «إن جالك الطوفان حط ولدك تحت رجليك».. والطوفان كان فى أثناء أحداث الثورة، ورغم ذلك لم يضع المصريون أولادهم ولا جيرانهم ولا من لا يعرفونهم تحت رجليهم، على العكس أغلب المصريين إن لم يكونوا جميعاً قد وضعوا الآخر حتى الغريب على رؤوسهم، فبدا كأن كل مصرى توج رأسه بآخر حين كانوا فى الطوفان، وما إن انتهى المد الأول للطوفان حتى راح كل منا يلقى بتاجه ويكسر فيه.. المصريون الآن يكسرون عظام بعضهم البعض، ولا يختلف فى ذلك صفوة أو عامة، مثقف أو جاهل، امرأة أو رجل، شاب أو كهل، حاكم أو محكوم، فلول أو ثوار.. الكل صار يتصرف وكأننا وقت الطوفان، بينما أقسى ما فى الطوفان من المفترض أنه انتهى.. إذن قل «هو فى إيييه يا مصريين؟» ولا تقل «هو فيه إيه يا مصر؟!».. أما أنا فلن أقول ذلك، ولكنى سأردد قول الشاعر محمود درويش: «هل فى وسعى أن أختار أحلامى لئلا أحلم بما لا يتحقق».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة