من الإشكاليات المعاصرة التى تواجه الحركة الإسلامية، وخاصة إذا وصلت إلى البرلمان أو الحكومة، هى كيف تقيم فنا تقنيا راقيا وصالحا ينفع المجتمع وفى الوقت نفسه لا يصطدم بثوابت الإسلام، ولذا فإننى سأناقش هذا الموضوع فى بعض مقالاتى القادمة بين الحين والآخر بإذن الله.
يعرف البعض الفن بأنه إنتاج الجمال ثم إشاعته بين الناس، فهو مصنع الجمال، وهو فى نفس الوقت بمثابة الشركة الموزعة له بين الناس، وهذا التعريف أراه معبرا حقيقيا عن الفن ورسالته، وقد يعرف البعض الفن بأنه الشعور بالجمال ثم التعبير عنه، وهذا تعبير جيد، ولكنه أضعف من التعريف الأول الذى يربط بين إنتاج الجمال وإشاعته ونشره بين الناس.
والفن الصالح المصلح يصلح المجتمعات ويعرف بالخير وينشره ويسعد الناس بالمباح وليس الحرام، ويعرف بالشر ويحاول صرف الناس عنه، والأصل فى الأشياء المباحة والحرام لا يكون إلا بنص.
وقد نبه القرآن إلى جمال السماء فقال: «وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ»، ونبه إلى جمال الأرض فقال: « وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ»، إشارة إلى الورود والزهور والنباتات الجميلة، وقد استخدم القرآن كلمة بهيج بمعنى أنها تبهج وتسر النفس من جمالها وروعة حسنها، وقال تعالى: « فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ»، وكأن هذه النباتات والورود والأزهار تزيل الاكتئاب والحزن من شدة جمالها وروعتها.
وكل خلق الله سبحانه وتعالى يضم عنصرين أساسين، هما: عنصر المنفعة والجمال، وذلك واضح فى قوله تعالى: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً»، فكلمة لتركبوها دلالة على منفعتها وزينة دلالة على الجمال.
ويمكنك أن تنظر إلى الحصان لترى فيه من آيات الجمال والجلال ما فيه، ويمكنك أن تنظر إلى الحمار الصغير لترى فيه جمالا أيضا. وذلك واضح أيضا فى قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا»، فالجزء الأول من الآية يهتم بعنصر المنفعة، أما الجزء الثانى ففيه الجمال فالحلية هى اللؤلؤ، وغيره من صدف البحر، فالإسلام عنى بالجمال لأنه يعنى بالإنسان ولا يعتبره آلة صماء تأكل وتشرب وتنام وتتزوج ثم تموت، ولا مشاعر له ولا عواطف ولا حس.
إن الإسلام اهتم بروح الإنسان فغذاها بالعبادة، واهتم بعقل الإنسان وغذاها بالعلم، واهتم بجسم الإنسان وغذاه بالرياضة والسباحة ونحوهما، واهتم بوجدان الإنسان ومشاعره وغذاها بالفن الصالح.
اعتبر الإسلام الفن الصالح وسيلة مهمة من وسائل تشكيل الوعى الصحيح لدى الشعوب بقضاياه العادلة، وقد قلت أكثر من مرة إن الدعوة الإسلامية تحتاج إلى الدراما الراشدة أكثر من حاجة الدراما إلى الدعوة الإسلامية.
ففيلم الرسالة وعمر المختار ومسلسل صلاح الدين الأيوبى والظاهر بيبرس على سبيل المثال لا الحصر أعظم أثرا من مليون خطبة وأوقع فى النفوس من مليون درس.
ولو أننا استطعنا عرض التاريخ الإسلامى وقضايانا المعاصرة وتاريخنا الوطنى من خلال دراما صالحة سديدة ذات تقنية عالية يقوم بها أهل الفن أنفسهم لكان هذا أعظم ما نقدمه لديننا وإسلامنا، وسيصل إلى كل الشرائح التى لا تذهب إلى المسجد أو لا تحسن القراءة والكتابة.
وهناك دول خليجية أنفقت مليارات الدولارات على الدعوة الإسلامية بطرقها التقليدية، ولو أنها أنفقت عشر هذه المبالغ على إنتاج أفلام تدعو للإسلام مدبلجة بكل لغات العالم لوصل الإسلام الصحيح إلى كل بقاع الأرض دون عناء كبير.
ولكن المشكلة هى الخلط بين عناصر الثبات والتطور فى الإسلام نفسه، وكذلك النمطية فى الأساليب والآليات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة